خطبة عبد الناصر يوم الخميس أول نوفمبر 1956 خلال أيام العدوان
يكشف فيه مؤامرة العدوان الثلاثى
وجه الرئيس جمال عبدالناصر فى أول نوفمبر خطبة اذاعية للشعب من نصها
".............
بيان الرئيس جمال عبد الناصر إلى الشعب يكشف فيه مؤامرة العدوان الثلاثى التى دبرتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر ١/١١/١٩٥٦
أيها المواطنون:
السلام عليكم..
قى هذه الأوقات الحاسمة من تاريخ وطننا أتحدث إلى كل فرد منكم، وفى هذا الوقت يتجه تفكيرنا جميعاً إلى الوطن وسلامته وشرفه وكرامته، فإما نحيا حياة حرة شريفة كريمة، أو نحيا حياة ذليلة، وأنا أشعر وأحس إن كل واحد منكم عايز يعيش حياة يتمتع فيها بالحرية والشرف والكرامة.
إن الحياة الذليلة هى العبودية، وإن الموت خير من الذل.
أيها الإخوة:
لنفكر جميعاً اليوم فى وطننا.. فى مصر، وليكن هدف كل منا أن يحيا حياة شريفة كريمة، دى سياستنا التى أعلناها، ودى أهدافنا التى آمنا بها؛ حياة حرة شريفة كريمة.
مصر أعلنت سياستها الحرة المستقلة التى تنبع منها، وصممت على أن تسير فى هذه السياسة، وكان كل هذا من أجل هدف أكبر؛ هو إقامة حياة تسودها الرفاهية لجميع أبناء الوطن.
ولكن هل تركنا الاستعمار نعمل من أجل هذا الهدف الكبير؟!
كان الاستعمار لنا دائماً بالمرصاد.. كان الاستعمار يريد منا أن نكون أذلاء تابعين، نحيا حياة جردت من الشرف، ومن الكرامة.
كنا ننادى بالسلام، وكنا نقول إننا نعمل من أجل رفاهية مصر، ولكن الاستعمار كان يريد منا أن نعمل من أجل أهدافه، وأن نعمل من أجل تنفيذ سياسته.
كنا نقول إننا نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا، وليست لنا أى نوايا عدوانية.. كانت هذه هى سياستنا الواضحة، وكانت هذه هى أهدافنا التى أعلناها.
ولكن هل تخلت إنجلترا عن حقدها؟! وهل تخلت إنجلترا عن مكرها؟!
لقد كانت دائماً إنجلترا تقف لمصر بالمرصاد؛ وقفت لها فى أيام محمد على حينما وجدت أن قواتها المسلحة أصبحت قوية، وأن قواتها المسلحة أصبحت عاملاً فى القضاء على النفوذ البريطانى، وتآمرت بريطانيا على مصر، واستطاعت فى هذا الوقت أن تنزل بمصر ضربة، حينما قضت على أسطولها فى معركة "نفارين".
وبعد هذا فى سنة ١٨٨٢، لم تقبل إنجلترا أن تنهض مصر وتخلق لنفسها شخصية قوية، فتآمرت عليها، واستطاعت بالخديعة أن تثبت أقدامها.. هذا هو التاريخ.. تاريخنا فى الماضى.
النهارده بعد أن أصبحت مصر كتلة واحدة متحدة متآخية متماسكة متساندة؛ هل سيعيد التاريخ نفسه؟!
اللى حصل فى الماضى كان بسبب الانقسام والتفرقة، اللى حصل فى الماضى كان بسبب التخاذل. النهارده احنا بنقابل هذه المؤامرات كتلة واحدة، وقلباً واحداً، ورجلاً واحداً.
بدأت هذه المؤامرات بمؤامرة إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، بهجوم إسرائيل الفجائى يوم الاثنين ٢٩ أكتوبر، بدون أى سبب إلا التآمر، وإلا حقد بريطانيا.
وقامت قواتنا المسلحة فى تأدية واجبها ببسالة كبيرة، وقام سلاحنا الجوى فى تأدية واجبه ببسالة خالدة فى تاريخ الوطن.
بريطانيا حينما هجمت إسرائيل أعلنت إنها لن تستغل الفرصة، ولكن حينما ظهر أن مصر استطاعت أن تسيطر على أرض المعركة، وحينما تبين لإنجلترا أن السلاح الجوى المصرى استطاع أن يسيطر على سماء المعركة؛ بدأت فى إظهار نواياها.
فى يوم ٣٠ أكتوبر، قدم لمصر إنذار بريطانى - فرنسى، هذا الإنذار يطلب إيقاف القتال.. إيقاف القتال والقوات الإسرائيلية فى داخل الأراضى المصرية! القوات الإسرائيلية المعتدية.. ويطلب من مصر ومن إسرائيل الانسحاب عشرة كيلومترات عن قناة السويس، ثم يطلب من مصر ومن إسرائيل أيضاً؛ قبول احتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس بواسطة القوات المسلحة البريطانية - الفرنسية من أجل حماية الملاحة فى القناة!
حدث هذا وكانت الملاحة مستمرة، ولم تهدد، حدث هذا وكانت القوات المصرية تحتشد لمقابلة القوات الإسرائيلية المعتدية، وكانت القوات المصرية ترد القوات الإسرائيلية على أعقابها.
وقالت بريطانيا فى إنذارها: " إذا لم يصل الرد فى ١٢ ساعة فإنها ستعمل على تنفيذ ذلك".
هل نقبل احتلال بريطانيا وفرنسا لقطعة من أرض مصر؟! هل نقبل راضين هذا الاحتلال؟! أو هل نقاتل فى سبيل حرية وطننا، وفى سبيل سلامة أراضينا، وفى سبيل الشرف وفى سبيل الكرامة؟!
أعلنت مصر بعد هذا الإنذار موقفها؛ إنها لا يمكن أن تسمح، ولا يمكن أن تقبل، ولا يمكن أن توافق على احتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس بقوات أجنبية، بريطانية - فرنسية.
وأعلنت مصر أن هذا انتهاك لحريتها.. لحرية الشعب المصرى وسيادته وكرامته.
وأعلنت إسرائيل - إسرائيل حليفة بريطانيا وحليفة فرنسا - إنها وافقت على هذه الشروط!
طبعاً.. إسرائيل توافق أن تنسحب عشرة ميل من القناة أو عشرة كيلو من القنال هى بعيدة جداً عن القناة! دا هسينصب على مصر.
إيقاف القتال إسرائيل توافق لأنها هى القوات المعتدية، وكانت قواتنا منتصرة، وترغمها على الارتداد. واحتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس إسرائيل طبعاً توافق؛ لأن إسرائيل كانت هى الدولة الوحيدة التى عارضت فى جلاء بريطانيا عن منطقة قناة السويس فى سنة ١٩٥٤.
أبلغنا مجلس الأمن، مجلس الأمن عقد جلسة، ولكن بريطانيا وفرنسا استهانت بجميع القوانين الدولية، واستهانت بميثاق الأمم المتحدة، واستهانت بالرأى العام العالمى، واعترضت على قرار بإيقاف القتال، وقال "إيدن": "إن بريطانيا لا تعترف بقرارات مجلس الأمن، وستعمل ما فى وسعها كى لا تعتبر إسرائيل معتدية؛ لأن عملها من أحسن الأعمال"! وبهذا لم يستطع مجلس الأمن أن يصل إلى قرار.
امبارح ٣١ أكتوبر، كانت قواتنا متفوقة تفوق ساحق، كان سلاحنا الجوى متفوق على السلاح الجوى الإسرائيلى تفوق ساحق، وأنا البلاغات التى طلعت كلها متأكد إنها بلاغات سليمة، كانت سياستنا ان احنا نبين لكم أن هذه المعركة معركتكم، الحقائق.. ما لنا وما علينا؛ خسائر إسرائيل فى الجو لغاية امبارح ١٨ طائرة، خسائرنا طائرتين.
قواتنا التى كانت موزعة وحشدت لتقابل العدوان الإسرائيلى، استطاعت بسرعة فائقة أن تتجمع لمقابلة هذا العدوان.
امبارح ظهرت طائرات فرنسية تساند إسرائيل، وبرغم هذا فإن قواتنا أبلت بلاءً حسناً - قواتنا الجوية - فى السيطرة على جو المعركة.
الساعة السابعة امبارح، بعد هذا النجاح لقواتنا الجوية وقواتنا البرية؛ أصدرت وزارة الدفاع البريطانية بلاغ بأنها ستضرب المطارات المصرية نتيجة لرفض مصر الإنذار البريطانى - الفرنسى الموجه إليها وإلى إسرائيل بسحب قواتهما على بعد عشرة ميل من القناة.
طبعاً هذا الكلام يظهر فيه الخداع، احنا رفضنا احتلال بلدنا؛ لأن وزارة الدفاع البريطانية بتقول إنها ستضرب المطارات المصرية؛ لأن مصر رفضت سحب قواتها، دا كلام ينطوى على الكذب الصريح، والكذب الواضح.
الساعة السابعة امبارح بدأت بريطانيا وفرنسا غارتها الجوية على القاهرة، وعلى منطقة القناة، وعلى الإسكندرية.
وكان الغرض من هذا واضحاً؛ كان غرضهم غارات مركزة على مطاراتنا، كان غرضهم إنهم يدمروا السلاح الجوى المصرى اللى أظهر تفوق ساحق فى اليومين الماضيين، واللى سيطر على المعركة واللى عجز السلاح الجوى الإسرائيلى.
وبهذا اتضحت خطة العدو.. العدو التحالف الإنجليزى - الفرنسى - الإسرائيلى.. اتضحت الخطة وبان إنهم يقصدون تدمير طائراتنا، سحب قواتنا إلى سيناء.. عزلها وتدميرها، ثم احتلال مصر بدون أية مقاومة.
وكان لابد من اتخاذ قرار خطير، هل تترك قواتنا على الحدود بدون حماية جوية لأن السلاح الجوى الفرنسى والإنجليزى والفرنسى والإسرائيلى يعملون جميعاً ضد السلاح الجوى المصرى؟
بحث الأمر، وبحث الموقف العسكرى، وكان لابد من اتخاذ قرار حاسم حتى يمكن إحباط خطط بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وحتى يمكن المحافظة على قواتنا الرئيسية، وحتى يمكن أن تكون القوات المسلحة دائماً مساندة للشعب، كلف القائد العام للقوات المسلحة - اللواء عبد الحكيم عامر - بحماية قواته المسلحة، والعمل على أن ينضم أكبر جزء منها إلى الشعب، والعمل على إحباط محاولات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل فى عزل وتدمير قواتنا الرئيسية فى صحراء سيناء.
وبدأت أمس تنفيذ هذه الخطة.
والآن - أيها المواطنون - ونحن نواجه هذا الموقف، هل نقاتل.. أو نسلم؟
إن تاريخ الشعوب فى الكفاح هو الذى يكتب لها المستقبل. إن الأيام العصيبة تحتاج إلى مزيد من الصبر، والثقة، والإيمان، والثبات، حتى يتحقق النصر.
لقد أعلنت مصر دائماً أنها ستقاتل دفاعاً عن سيادتها، وعن حريتها، وعن كرامتها.
سنقاتل - أيها المواطنون - قوى الظلم التى تريد انتهاك حريتنا.
سنقاتل - أيها الإخوة - فى سبيل حرية مصر، وفى سبيل حرية الشعب المصرى.
سنقاتل كما كنا دائماً فى حرب شاملة، جنودها الشعب.. الشعب المصرى، جنباً إلى جنب مع قواته المسلحة.
لقد قاتلت شعوب من قبلنا ضد قوى الظلم التى تفوقها عتاداً وعدة، وانتصرت؛ قاتلت يوجوسلافيا.. قاتلت بأسلحتها الصغيرة الفرق المدرعة الألمانية، والسلاح الجوى الألمانى، وانتهت ألمانيا المعتدية، وانتصرت يوجوسلافيا.
قاتلت اليونان قوات تفوقها عدداً وعدة، وانتصرت اليونان، وانتهت القوات المعتدية.
قاتلت إندونيسيا قوات تفوقها عدداً وعدة، وانتصرت إندونيسيا، وانتهت القوات المعتدية.
والآن إن لكم إخوة فى الجزائر يقاتلون قتالاً مريراً ضد نصف مليون جندى فرنسى فى سبيل حريتهم، وفى سبيل كرامتهم.
والآن فيه مجاهدون فى قبرص يجاهدون ويقاتلون ضد الجيش الإنجليزى، وضد الجيش الفرنسى الموجود الآن؛ من أجل حريتهم، ومن أجل استقلالهم.
قوات منكم فى الفالوجا فى حرب فلسطين حوصرت أربعة أشهر ضد القوات اليهودية المعتدية، ودافعت عن كيانها، وأنا كنت موجود ضمن هذه القوات، وطلب منا أن نسلم، وكان ردى على الضابط اليهودى الذى طلب منى ذلك: إننا الآن ندافع عن شرف مصر وشرف القوات المسلحة المصرية.
أيها المواطنون:
سنقاتل قتالاً مريراً، ولن نسلم دفاعاً عن شرف مصر، دفاعاً عن حرية مصر، ودفاعاً عن كرامة مصر.
كل فرد منكم - أيها الإخوة - جندى فى جيش التحرير الوطنى. لقد صدرت الأوامر بتوزيع السلاح، وعندنا منه الكثير، وسنقاتل معركة مريرة.. سنقاتل معركة من قرية إلى قرية، ومن مكان إلى مكان، ليكن كل فرد منكم - أيها المواطنون - جندياً فى القوات المسلحة، حتى ندافع عن شرفنا، وحتى ندافع عن كرامتنا، وحتى ندافع عن حريتنا.
وليكن شعارنا إننا سنقاتل ولن نسلم.. سنقاتل.. سنقاتل ولن نسلم.
إننا اليوم - أيها الإخوة - نكتب صفحة جديدة فى تاريخ مصر.. إننا الآن نريد الصبر والإيمان حتى ننتصر.
وأنا أعاهدكم - أيها الإخوة - إنى سأقاتل معكم من أجل حريتكم - كما عاهدتكم من قبل - لأخر قطرة فى دمى. وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله
.........."
د. يحى الشاعر
أيها المواطنون:
السلام عليكم..
قى هذه الأوقات الحاسمة من تاريخ وطننا أتحدث إلى كل فرد منكم، وفى هذا الوقت يتجه تفكيرنا جميعاً إلى الوطن وسلامته وشرفه وكرامته، فإما نحيا حياة حرة شريفة كريمة، أو نحيا حياة ذليلة، وأنا أشعر وأحس إن كل واحد منكم عايز يعيش حياة يتمتع فيها بالحرية والشرف والكرامة.
إن الحياة الذليلة هى العبودية، وإن الموت خير من الذل.
أيها الإخوة:
لنفكر جميعاً اليوم فى وطننا.. فى مصر، وليكن هدف كل منا أن يحيا حياة شريفة كريمة، دى سياستنا التى أعلناها، ودى أهدافنا التى آمنا بها؛ حياة حرة شريفة كريمة.
مصر أعلنت سياستها الحرة المستقلة التى تنبع منها، وصممت على أن تسير فى هذه السياسة، وكان كل هذا من أجل هدف أكبر؛ هو إقامة حياة تسودها الرفاهية لجميع أبناء الوطن.
ولكن هل تركنا الاستعمار نعمل من أجل هذا الهدف الكبير؟!
كان الاستعمار لنا دائماً بالمرصاد.. كان الاستعمار يريد منا أن نكون أذلاء تابعين، نحيا حياة جردت من الشرف، ومن الكرامة.
كنا ننادى بالسلام، وكنا نقول إننا نعمل من أجل رفاهية مصر، ولكن الاستعمار كان يريد منا أن نعمل من أجل أهدافه، وأن نعمل من أجل تنفيذ سياسته.
كنا نقول إننا نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا، وليست لنا أى نوايا عدوانية.. كانت هذه هى سياستنا الواضحة، وكانت هذه هى أهدافنا التى أعلناها.
ولكن هل تخلت إنجلترا عن حقدها؟! وهل تخلت إنجلترا عن مكرها؟!
لقد كانت دائماً إنجلترا تقف لمصر بالمرصاد؛ وقفت لها فى أيام محمد على حينما وجدت أن قواتها المسلحة أصبحت قوية، وأن قواتها المسلحة أصبحت عاملاً فى القضاء على النفوذ البريطانى، وتآمرت بريطانيا على مصر، واستطاعت فى هذا الوقت أن تنزل بمصر ضربة، حينما قضت على أسطولها فى معركة "نفارين".
وبعد هذا فى سنة ١٨٨٢، لم تقبل إنجلترا أن تنهض مصر وتخلق لنفسها شخصية قوية، فتآمرت عليها، واستطاعت بالخديعة أن تثبت أقدامها.. هذا هو التاريخ.. تاريخنا فى الماضى.
النهارده بعد أن أصبحت مصر كتلة واحدة متحدة متآخية متماسكة متساندة؛ هل سيعيد التاريخ نفسه؟!
اللى حصل فى الماضى كان بسبب الانقسام والتفرقة، اللى حصل فى الماضى كان بسبب التخاذل. النهارده احنا بنقابل هذه المؤامرات كتلة واحدة، وقلباً واحداً، ورجلاً واحداً.
بدأت هذه المؤامرات بمؤامرة إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، بهجوم إسرائيل الفجائى يوم الاثنين ٢٩ أكتوبر، بدون أى سبب إلا التآمر، وإلا حقد بريطانيا.
وقامت قواتنا المسلحة فى تأدية واجبها ببسالة كبيرة، وقام سلاحنا الجوى فى تأدية واجبه ببسالة خالدة فى تاريخ الوطن.
بريطانيا حينما هجمت إسرائيل أعلنت إنها لن تستغل الفرصة، ولكن حينما ظهر أن مصر استطاعت أن تسيطر على أرض المعركة، وحينما تبين لإنجلترا أن السلاح الجوى المصرى استطاع أن يسيطر على سماء المعركة؛ بدأت فى إظهار نواياها.
فى يوم ٣٠ أكتوبر، قدم لمصر إنذار بريطانى - فرنسى، هذا الإنذار يطلب إيقاف القتال.. إيقاف القتال والقوات الإسرائيلية فى داخل الأراضى المصرية! القوات الإسرائيلية المعتدية.. ويطلب من مصر ومن إسرائيل الانسحاب عشرة كيلومترات عن قناة السويس، ثم يطلب من مصر ومن إسرائيل أيضاً؛ قبول احتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس بواسطة القوات المسلحة البريطانية - الفرنسية من أجل حماية الملاحة فى القناة!
حدث هذا وكانت الملاحة مستمرة، ولم تهدد، حدث هذا وكانت القوات المصرية تحتشد لمقابلة القوات الإسرائيلية المعتدية، وكانت القوات المصرية ترد القوات الإسرائيلية على أعقابها.
وقالت بريطانيا فى إنذارها: " إذا لم يصل الرد فى ١٢ ساعة فإنها ستعمل على تنفيذ ذلك".
هل نقبل احتلال بريطانيا وفرنسا لقطعة من أرض مصر؟! هل نقبل راضين هذا الاحتلال؟! أو هل نقاتل فى سبيل حرية وطننا، وفى سبيل سلامة أراضينا، وفى سبيل الشرف وفى سبيل الكرامة؟!
أعلنت مصر بعد هذا الإنذار موقفها؛ إنها لا يمكن أن تسمح، ولا يمكن أن تقبل، ولا يمكن أن توافق على احتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس بقوات أجنبية، بريطانية - فرنسية.
وأعلنت مصر أن هذا انتهاك لحريتها.. لحرية الشعب المصرى وسيادته وكرامته.
وأعلنت إسرائيل - إسرائيل حليفة بريطانيا وحليفة فرنسا - إنها وافقت على هذه الشروط!
طبعاً.. إسرائيل توافق أن تنسحب عشرة ميل من القناة أو عشرة كيلو من القنال هى بعيدة جداً عن القناة! دا هسينصب على مصر.
إيقاف القتال إسرائيل توافق لأنها هى القوات المعتدية، وكانت قواتنا منتصرة، وترغمها على الارتداد. واحتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس إسرائيل طبعاً توافق؛ لأن إسرائيل كانت هى الدولة الوحيدة التى عارضت فى جلاء بريطانيا عن منطقة قناة السويس فى سنة ١٩٥٤.
أبلغنا مجلس الأمن، مجلس الأمن عقد جلسة، ولكن بريطانيا وفرنسا استهانت بجميع القوانين الدولية، واستهانت بميثاق الأمم المتحدة، واستهانت بالرأى العام العالمى، واعترضت على قرار بإيقاف القتال، وقال "إيدن": "إن بريطانيا لا تعترف بقرارات مجلس الأمن، وستعمل ما فى وسعها كى لا تعتبر إسرائيل معتدية؛ لأن عملها من أحسن الأعمال"! وبهذا لم يستطع مجلس الأمن أن يصل إلى قرار.
امبارح ٣١ أكتوبر، كانت قواتنا متفوقة تفوق ساحق، كان سلاحنا الجوى متفوق على السلاح الجوى الإسرائيلى تفوق ساحق، وأنا البلاغات التى طلعت كلها متأكد إنها بلاغات سليمة، كانت سياستنا ان احنا نبين لكم أن هذه المعركة معركتكم، الحقائق.. ما لنا وما علينا؛ خسائر إسرائيل فى الجو لغاية امبارح ١٨ طائرة، خسائرنا طائرتين.
قواتنا التى كانت موزعة وحشدت لتقابل العدوان الإسرائيلى، استطاعت بسرعة فائقة أن تتجمع لمقابلة هذا العدوان.
امبارح ظهرت طائرات فرنسية تساند إسرائيل، وبرغم هذا فإن قواتنا أبلت بلاءً حسناً - قواتنا الجوية - فى السيطرة على جو المعركة.
الساعة السابعة امبارح، بعد هذا النجاح لقواتنا الجوية وقواتنا البرية؛ أصدرت وزارة الدفاع البريطانية بلاغ بأنها ستضرب المطارات المصرية نتيجة لرفض مصر الإنذار البريطانى - الفرنسى الموجه إليها وإلى إسرائيل بسحب قواتهما على بعد عشرة ميل من القناة.
طبعاً هذا الكلام يظهر فيه الخداع، احنا رفضنا احتلال بلدنا؛ لأن وزارة الدفاع البريطانية بتقول إنها ستضرب المطارات المصرية؛ لأن مصر رفضت سحب قواتها، دا كلام ينطوى على الكذب الصريح، والكذب الواضح.
الساعة السابعة امبارح بدأت بريطانيا وفرنسا غارتها الجوية على القاهرة، وعلى منطقة القناة، وعلى الإسكندرية.
وكان الغرض من هذا واضحاً؛ كان غرضهم غارات مركزة على مطاراتنا، كان غرضهم إنهم يدمروا السلاح الجوى المصرى اللى أظهر تفوق ساحق فى اليومين الماضيين، واللى سيطر على المعركة واللى عجز السلاح الجوى الإسرائيلى.
وبهذا اتضحت خطة العدو.. العدو التحالف الإنجليزى - الفرنسى - الإسرائيلى.. اتضحت الخطة وبان إنهم يقصدون تدمير طائراتنا، سحب قواتنا إلى سيناء.. عزلها وتدميرها، ثم احتلال مصر بدون أية مقاومة.
وكان لابد من اتخاذ قرار خطير، هل تترك قواتنا على الحدود بدون حماية جوية لأن السلاح الجوى الفرنسى والإنجليزى والفرنسى والإسرائيلى يعملون جميعاً ضد السلاح الجوى المصرى؟
بحث الأمر، وبحث الموقف العسكرى، وكان لابد من اتخاذ قرار حاسم حتى يمكن إحباط خطط بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وحتى يمكن المحافظة على قواتنا الرئيسية، وحتى يمكن أن تكون القوات المسلحة دائماً مساندة للشعب، كلف القائد العام للقوات المسلحة - اللواء عبد الحكيم عامر - بحماية قواته المسلحة، والعمل على أن ينضم أكبر جزء منها إلى الشعب، والعمل على إحباط محاولات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل فى عزل وتدمير قواتنا الرئيسية فى صحراء سيناء.
وبدأت أمس تنفيذ هذه الخطة.
والآن - أيها المواطنون - ونحن نواجه هذا الموقف، هل نقاتل.. أو نسلم؟
إن تاريخ الشعوب فى الكفاح هو الذى يكتب لها المستقبل. إن الأيام العصيبة تحتاج إلى مزيد من الصبر، والثقة، والإيمان، والثبات، حتى يتحقق النصر.
لقد أعلنت مصر دائماً أنها ستقاتل دفاعاً عن سيادتها، وعن حريتها، وعن كرامتها.
سنقاتل - أيها المواطنون - قوى الظلم التى تريد انتهاك حريتنا.
سنقاتل - أيها الإخوة - فى سبيل حرية مصر، وفى سبيل حرية الشعب المصرى.
سنقاتل كما كنا دائماً فى حرب شاملة، جنودها الشعب.. الشعب المصرى، جنباً إلى جنب مع قواته المسلحة.
لقد قاتلت شعوب من قبلنا ضد قوى الظلم التى تفوقها عتاداً وعدة، وانتصرت؛ قاتلت يوجوسلافيا.. قاتلت بأسلحتها الصغيرة الفرق المدرعة الألمانية، والسلاح الجوى الألمانى، وانتهت ألمانيا المعتدية، وانتصرت يوجوسلافيا.
قاتلت اليونان قوات تفوقها عدداً وعدة، وانتصرت اليونان، وانتهت القوات المعتدية.
قاتلت إندونيسيا قوات تفوقها عدداً وعدة، وانتصرت إندونيسيا، وانتهت القوات المعتدية.
والآن إن لكم إخوة فى الجزائر يقاتلون قتالاً مريراً ضد نصف مليون جندى فرنسى فى سبيل حريتهم، وفى سبيل كرامتهم.
والآن فيه مجاهدون فى قبرص يجاهدون ويقاتلون ضد الجيش الإنجليزى، وضد الجيش الفرنسى الموجود الآن؛ من أجل حريتهم، ومن أجل استقلالهم.
قوات منكم فى الفالوجا فى حرب فلسطين حوصرت أربعة أشهر ضد القوات اليهودية المعتدية، ودافعت عن كيانها، وأنا كنت موجود ضمن هذه القوات، وطلب منا أن نسلم، وكان ردى على الضابط اليهودى الذى طلب منى ذلك: إننا الآن ندافع عن شرف مصر وشرف القوات المسلحة المصرية.
أيها المواطنون:
سنقاتل قتالاً مريراً، ولن نسلم دفاعاً عن شرف مصر، دفاعاً عن حرية مصر، ودفاعاً عن كرامة مصر.
كل فرد منكم - أيها الإخوة - جندى فى جيش التحرير الوطنى. لقد صدرت الأوامر بتوزيع السلاح، وعندنا منه الكثير، وسنقاتل معركة مريرة.. سنقاتل معركة من قرية إلى قرية، ومن مكان إلى مكان، ليكن كل فرد منكم - أيها المواطنون - جندياً فى القوات المسلحة، حتى ندافع عن شرفنا، وحتى ندافع عن كرامتنا، وحتى ندافع عن حريتنا.
وليكن شعارنا إننا سنقاتل ولن نسلم.. سنقاتل.. سنقاتل ولن نسلم.
إننا اليوم - أيها الإخوة - نكتب صفحة جديدة فى تاريخ مصر.. إننا الآن نريد الصبر والإيمان حتى ننتصر.
وأنا أعاهدكم - أيها الإخوة - إنى سأقاتل معكم من أجل حريتكم - كما عاهدتكم من قبل - لأخر قطرة فى دمى. وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله