تفاصيل ما حدث يوم 22 ديسمبر 1956
قبل مغادرة القوات الأنجلو فرنسية لبورسعيد
يعتبر يوم السبت 22 ديسمبر 1956 ، من أحد أهم الأيام في تاريخ بورسعيد ، فقد احس أهل بورسعيد في هذا اليوم ، بإلحرية التي "إكتسبناها لأنفسنا" بايادينا وبفضل الله ورجالنا جميعا .... تشكيلات المقاومة السرية المسلحة ومعهم أعضاء المقاومة السلبية
كنا نشعر بالقوة ، ولم نخفي ذلك إطلاقا عن الخارج .....
كنا نحمل أسلحتنا بشكل علني ... أمام الجميع ... وخاصة أفراد "البوليس" ، فقد كانوا لنا من أهم المدعمين في نشاطاتنا ....
فتحوا مباني الأقسام ، لتخبئتنا بعد العمليات الحربية ... فتحوا زنزانات السجون ، لتخبئة أعضاء الصاعقة ، بعد العملية المشتركة معنا - مهاجمة موقع الدبابات البريطاني في منطقة طرح البحر - ، .... سمحوا بأن يكون "مكتب المركز القيادي للمقاومة السرية" ، في غرفة ، علي سطح مبني بوليس "قسم ثاني" المعروف بقسم العرب ، وغير ذلك من النشاطات التدعيمية لنا ، التي لولاهم ، ما تم نجاحنا بهذا الشكل ..
وعندما أتي اليوم "22 ديسمبر 1956" .... صدرت الاوامر العسكرية لجميع أفراد "المجموعات الشعبية المقاتلة" - عشرة مجموعات - ، بحمل أسلحتهم ، والإنتشار في المدينة ، علي نقاط "تكتيكية هامة" وتقديم المساعدة لأفراد البوليس في حفظ الأمن ومنع أي تعدي علي ممتلكات وأماكن إقامة من تبقي في بورسعيد من الأجانب أو "مكاتب شركاتهم" وبنوكهم ، التي قام البريطانيين والفرنسيين بتفريغهم من كافة محتويات خزانهم من "أمــوال" و ممتلكات ... ووثائق بل وأثاث وأجهزة
سأنشر فيما يلي ، الأحداث جميعا وبالتفصيل ... وذلك لأول مرة ، علي الإنترنت ، بعدما سبق لي نشرهم في كتابي
"الوجه الآخـر للميدالية ، حرب السويس 1956 " ويمكن لمن يريد أن يوجه أي سؤال قد يود معرفة "رد عليه"
د. يحي الشاعر
اقتباس
الـسـبت 22 ديـسـمبر
اتسم هذا اليوم بالانتظار والصبر وانعكس ذلك على ملامح وسمات وجه الصاغ سعد عفرة المرحة كما انعكست ملامح القلق على تصرفات سمير غانم وعلى وجه كمال الصياد اللذين كانا يبديان قلقهما على سلامة مصطفى عبد الوهاب خوفا من أن يكتشف الأنجليز عمله معنا فى المقاومة السرية ومهمته لمراقبة كافة تحركات القوات المحتلة فى المنطقة التى مازالت يحتلونها والذى كانت قد تناقصت وانحصر وجودها فى هذا اليوم بين شريط رفيع يمتد بين شارع فؤاد (الجمهورية) والميناء,وكانت القيادة العامة للموقف فى المدينة تخضع لأوامر الصاغ سعد عفرة الذى كان ينام ويتواجد فى منزلنا طوال اقامته السرية فى المدينة بالاضافة الى ضيفنا الملازم فرج محمد فرج الذى كان يقيم طرفنا منذ يوم تسلله الى مسكننا, وقررت قيادة المخابرات أن يداوم على فتح جهاز اللاسلكى فى مسكننا بشكل مستمر ودون انقطاع وأن نبقى على اتصال دائم بالرئاسة حيث كنا ننتظر بشكل متوتر أخبار مغادرة قوات الاحتلال لمنطقة الميناء وصمد الملازم فرج أمام الجهاز وتعددت الرسائل الشفرة وازدادت أوقات وكمية الاتصالات حتى وصلت الى الشكلالمتواصل المستمر غير المنقطع
جاسوسنا مصطفى عبد الوهاب وقلق الصاغ سعد عفرة عليه
ولقد انعكس قلق الصاغ سعد عفرة فى السؤال الدائم والمتكرر عن مصطفى عبد الوهاب الذى كان يسكن فى وسط منطقة الحى الأفرنجى المحتلة فى عمارة كوستوبولو بشارع توفيق (عرابى)بالقرب من جنينة فريال وكان الصاغ (الرائد) أركان حرب سعد عفرة واليوزباشى (النقيب) سمير غانم والملازم فرج محمد فرج يقدرون وطنية وشجاعة مصطفى عبدالوهاب وقبوله لاستغلالنا لمظهره وشكله الأوربى, وكنا شاكرين على حصولى لتأييد والدهالقبطان مصطفى عبد الوهاب المرشد البحرى بشركة القنال لنا فى الاستعانة بابنه ومخاطرته من أجلنا اذ ساعدنا وضعه الاجتماعى الخاص فى المدينة على تغطية التعاون معنا رغم امكانية تعريض نفسه ووالده القبطان وزوجته الأوربية لخطر الاعتقال والتعذيب من أجل الحصول على المعلومات منهم عنا, اذ كانت هذه هى وسيلة والعادة التى تعود عليها الأنجليز فى معاملة المواطنين البورسعيديينوتكرر سؤال الصاغ عفرة عما اذا كان مصطفى قد اتصل بنا فى هذا اليوم وهو أمر أكدته له
أوامر الصاغ سعد عفرة لمصطفى عبد الوهاب بالتجسس
بناء على طمأنة الصاغعفرة أصدر لى أوامره الفورية بأخبار مصطفى بأن يعتبر اليوم من أهم عمليات تعاونه معنا فى المخابراتالعامة, وأن عليه أن ينتبه وأصدر الصاغ (الرائد) أركان حرب سعد عفرة تعليماته لى بأخبار مصطفى عبدالوهاب ألا يسجل أيا من المعلومات التى يجمعها لنا اليوم على أى أوراق كما أمرنى االصاغ (الرائد) أركان حرب سعد عفرة باصدار الأمر لمصطفى عبد الوهاب بألا يحمل معه أى أوراق تحتوى على أى بيانات أو معلومات تبين نشاطه اذ أن خطر تمادى الأنجليزفى عدم مغادرة المدينة مازال يحتمل وأن امكانية بقائهم فى المنطقة مازالت تؤخذ فى اعتبار تخطيط عمليات المقاومة المسلحة ضد قواتهم وطلب الصاغ عفرة أن يبلغنا مصطفى المعلومات التالية فورا ودون تأخير:
1 -التوقيت الدقيق التفصيلى لمغادرة آخر السفن الأنجليزية لميناء بورسعيد
2 -رقم آخر سفينة حربية أو اسم آخر سفينة تغادر الميناء وتوقيت تحركها بالضبط
3 -التأكد من عدم وجود أى طائرات هيليكوبتر فى المنطقة أو فى مواجهة الميناء
4 -التأكد من أن الأنجليز لم يتركوا خلفهم أى جيوب أو كمائن قناصة فوق المنازل قد تعرق تقدمنا الى الميناء
5 -التأكد أنه لا توجد أى كبارى عائمة بين رصيف الميناء والسفن الانجليزية
6 -التأكد من مغادرة الانجليز وإخلائهم لرصيف ديليسبس والمنطقة المواجهةلكازينو بالاس حيث كانت قواتهم قد حولته الى مركز قيادتهم العامة
7 -إبلاغنا فورا بالتوقيت الدقيق لمغادرة آخر جندى أو شخص للميناء وصعوده على السفينة وكل البيانات المتعلقة به (الرتبة, عدد المجموعة التى تصاحبهوالإجراءات التى تمت لتحرك السفينة)
8 -الحضور فورا وشخصيا تحت كل مخاطرة الى منزلنا لتقديم تقريره لكى يتماعداده بالشفرة تمهيدا لإرساله للقاهرة ومن أجل أن يقوم الصاغ عفرة بتوجيه أسئلة محددة لمصطفى عبدالوهاب تتعلق بتقريره
الصاغ سعد عفرة وتكتيكية السيطرة على الموقف
توقع الصاغ سعد عفرة أن يتفادى البريطانيون وضع قواتهم تحت خطر هجوم قوات المقاومة السرية مستترين بغطاء الليل مشابه لهجوم مجموعة الصاعقة على معسكر الدبابات فى الأسبوع السابق, وأخبرنا الصاغ عفرة أنه نظرا لتحليله للموقف فإنه ينتظر أنه لابد أن تتم مغادرة البريطانيين للمدينة قبل أن يتقدم الليل فى المدينة, ويحتمل أن يكون ذلك قبل آخر ضوء (الغروب)
وقام الصاغ عفرة بتحضير رسالة شفرية فى منزلنا موجهة لرئاسة الجمهورية (الرئيس جمال عبدالناصر) ، وإلي السيد البكباشي أركان حرب زكريا محيى الدين (وزير الداخلية ورئيس المخابرات العامة) ، يذكر فيها بأنه تحت مراعاة كل تطورات الأحوال التى توالت فى المدينة وبتحليل البيانات التى زودتنا بها مصادرنا خلف خطوط الانجليز فإنه ينتظر مغادرة الجنود الأنجليز النهائية للمدينة قبل الساعة الثامنة من مساء اليوم,
بل حدد الصاغ سعد عفرة حوالى الساعة السابعة وخمسة وأربعين دقيقة كموعد يمكن للاذاعة فى مصر من أن تذيعه كخبر فى نشرة الأخبار المسائية الساعة الثامنة مساء ،
وعلى ذلك وبناء على أوامر الصاغ عفرة نزلت فورا للقاء مصطفى عبد الوهاب فى مكان اللقاء الذى كنا قد حددناه فى اليوم السابق حسب كلمة السر الذى اتفقنا عليها وكنا نغيرها يوميا تباعا متتبعا فى ذلك تدريب التجسس الذى اعطاه لنا كل من الصاغ سعد عفرة واليوزباشى (النقيب) سمير غانملتحديد وسائل سلامة أماكن اللقاء علاوة على اتباعنا لتعليمات الأمان التى كنت أحددها لمصطفى عبد الوهاب بشكل يومى للتأكد من سلامة لقائنا ومن أهمها:
- تحديد خمسة أماكن مختلفة للقاء اليومى يتم تغييرها فى لقاءات اليوم التالى
- تحديد عشرة مواعيد دائرية ذات اختلاف وقتى متضاعف نسبته 15 دقيقة
- إشارات تنبيه بالخطورة أو ملاحظة مراقبة متعددة
- التصرف فى حالة الخطورة أو حدوث طارئ يدعو لعدم تنفيذ الاجتماع
- تحديد خمس نقاط ميتة لوضع رسالة مكتوبة فى حالة عدم حدوث اللقاء
- تفادى اللقاءات مع مصطفى عبد الوهاب فى منطقة الحى العريى بسببشكله الأجنبى
- عدم حمل أى وثائق تبين شخصيتى كيحيى الشاعر أثناء لقاءاتى
- ضرورة الرجوع من مكان اللقاء فى خلال ثلاثين دقيقة
......
.....
.....
- يتبع -