اليوزباشى سمير غانم وكمال الصياد يطلبان من يحي الشاعر ضيافة وإخفاء اللاسلكى فى مسكنه .... !!!!
المقاومة السرية فى بورسعيد وحرب 1956 العدوان الأنجلوفرنسى إلإسرائلي
لا بد قبل الدخول فى التفاصيل ، من ذكر ، أن اليوزباشى كمال الصياد ، هو أبن خالة والدى رحمه الله .....
وكان كمال الصياد صديقا حميما لشقيق محمد هادى ، حيث أشتركوا خلال الخمسينيات فى عمليات مسلحة ضد قوات الأنجليز فى معسكرات القنال ....!!!
علاوة على ذلك.. كان كل من شقيقى محمد هادى واليوزباشى كمال الصياد ومحمد شاكر مخلوف ، يتعاونوا مع المخابرات العامة ، فى مقاومة الأحتلال الأنجليزى ... !!!!
وبالأضافى الى ذلك ، كان كمال الصياد يعرفنى جيدا منذ أشتراكى فى تدريب الفدائيين ، والتدريب العسكرى ... وشاهد العديد من الأستعراضات العسكرية التى كنا نقوم بها فى المدينة لرفع الروح المعنوية للشباب ....
وما كاد العدوان ألنجلوفرنسى يحدث ... وحضور كمال الصياد للمدينة قادما من الأسماعيلية عن طريق القنطرة ، حتى إجتمع
معنا خلال الأعتداء ، وتشاركنا جميعا ومعنا السيد صبحى الكومى فى مقاومة غزو المدينة ... وكان يشاركنا عدد آخر من الأفراد الذين كونوا فيما بعد المقاومة السرية المسلحة ....
ولابد من معرفة أن عدد افراد مقاتلي المقاومة السرية المسلحة ... لـــــــم يـــــزد عــلى 50 خــمــــســـون فردا .... !!!!!
منذ بداية المقاومة حتى حروج البريطانيين والفرنسيين من المدينة يوم 23 ديسمبر 1956
سمير غانم وكمال الصياد يطلبان من يحي الشاعر ضيافة وإخفاء اللاسلكى
تميز هذا اليوم بشعور غريب ساد على منذ الصباح ولم اتمكن من تعليل اسبابه ولم أكن أدرى أن القدر يخبئ لى فى هذه اللحظة ماسوف يغير مسير حياتى الى الأبد... فما كدت أغادر مدخل بناية منزلنا حتى رأيت داورية سيارات لاندروفر بريطانية وقد نصب عليها مدفع رشاش من طراز برن تمر أمام منزلنا وفى نفس الوقت واجهنى المنظر المؤلم لداورية مترجلة تكونت من 4 جنود بريطانيون كانوا يمرون تحت بواكى المنزل وبدأوا ينزعون صورة الرئيس جمال عبد الناصر من على جدران البنايد ومن على أعمدة المنزل
وزاد غضبى الذى سيطرت عليه عندما شاهدتهم يدوسون بأحتقار علي صوره بأحذيتهم الثقيلة فأقسمت لنفسى بجذل كل جهدى لتحويل حياة هؤلاء الغزاة الى نار جحيم وركبت دراجتى متوجها فى طريقى الى مبنى بوليس قسم العرب لأحضر تقريرى عن عملياتنا فى اليوم السابق وإجتماعى مع كمال الصياد و سمير غانم
بعدما ناقشت مع كمال الصياد التقرير الذى سنقدمه الى سمير غانم عن عملياتنا فى اليوم السابق جلست معه لمناقشة عملياتنا خلال اليوم والييل بعد حظر التجول ودخل علينا اليوزباشى سمير غانم فى حوالى الساعة التاسعة وخمسة وأربعون دقيقة كعادته وبعد أن استمع الى تقريرى عن اليوم السابق وقبل أن نبدأ فى مناقشة تخطيط عمليات اليوم والكمائن التى ننوي نصبها للداوريات البريطانية فى المساء
فاجأنى سمير غانم بسؤالى وسؤال كمال الصياد عما اذا كان فى الامكان أن نخبئ جهاز لاسلكى لمدة قصيرة فى منزل عائلة الشاعر وفوجئت بسؤال سمير وبهرت به فلم أكن أتوقعه بالمرة وعندما سألت عن موعد التنفيذ أجاب سمير غانم بكلمة واحدة كانت تعنى الكثير
"... فـــــــــورا....."
ونظر الى عيونى مباشرة بنظرة تعنى أنه يتوقع الموافقة.
فنظرت الى كمال الصياد فقال لى فى صوت أخوى حنون واضح " إقبل يايحي وروح اتكلم مع اخوك هادى " ....
لأن شقيقى محمد هادى رحمه الله كان عميدا للعائلة بعد وفاة والدى فى العام السابق كما كانت تجمع بينه وبين كمال علاقة صداقة حميمة منذ أيام تعاونهما مع المخابرات فى عمليات مقاومة الآحتلال البريطانى فى قناة السويس قبل معاهدة الجلاء سنة 1954
واحنى سمير غانم رأسه مؤيدا فنظرت مرة أخرى الى كل من قائدى المباشرين الضابطين اليوزباشى كمال الصياد وكان يرتدى زي البوليس الرسمى والى اليوزباشى سمير غانم الذى كان يرتدى ملابسا مدنية تحقيقا للدور الغطائى الذى أختاره لنفسه "دكتور حمدى"
وأجبتهما بأننى لا بد لى من ضرورة تشاورى مع شقيقاى، حيث أننى لم اتعدى الثامنة عشر من عمرى ومازلت أعيش سويا مع والدتى رحمها الله فى المنزل
ثم طلبت أن استعمل التليفون ولم يتوانى كمال الصياد لحظة فرفع سماعة التليفون وطلب لى خطا مباشرا بينما طلب على جهاز التليفون الداخلى الثانى أن تقوم أحدى سيارات البوليس التابعة لقسم بوليس العرب "ثانى" بتوصيلى الى منزلى بأسرع وقت ممكن وانتظارى لأرجاعى للمكتب مرة أخرى.
قمت بالأتصال الهاتفي بكل من شقيقاى محمد هادى فى شقته بالمنزل الحديدى وعبد المنعم الذى كان يتواجد فى منزل حماه وطلبت منهما فى صوت متأثر أن نتقابل فى منزلنا فورا للتشاور فى أمر عائلى سريع وحساس مما جعلهما يعتقدان وقوع ضرر صحى مفاجئ لوالدتى التى كان يسبب لها مرضها ضغط الدم العالى وضعف القلب الألم الكبير فوعدنى كل منهما بالتواجد فى المنزل خلال نصف ساعة، فأخبرت كمال وسمير بنتيجة محادثاتى التليفونية ثم .....
غادرت الغرفة ونزلت سلالم مبنى البوليس الى السيارة التى كانت تنتظرنى فى مواجهة المدخل الرئيسى فدخلتها وشرحت للسائق عنوان المنزل.
وسرح فكرى بعيدا فى الطريق الى منزلنا ..... وتذكرت شقيقى محمود وكان يعمل كضابط مهندس بحرى فى سلاح الغواصات ويقوم بخدمة الوطن فى مكان ما فى أعماق البحر الأبيض .... وكم تمنيت ساعتها أاشتراكه معى فى هذه اللحظة الوطنية وساد على نوع من الحزن، ويظهر أن الأسى ظهر على بسمات وجهى فقد سألنى سأئق سيارة البوليس عما بى فأجبته بلاشئ وبقيت فى تمعنى وتخيلى البعيد بينما كنت ادعى الله تعالى أن يوفقنى لكى أحصل على موافقة شقيقاى الذين تميزا بثقة كل منهما فى رأيه فقط ......
وتوارد الى ذهنى مرة أخرى مناقشاتنا فور اجتماعنا التوجيهى القيادى يوم الأربعاء 13 نوفمبر مع قادة المجموعات المختلفة للمقاومة السرية وكيف أن سمير غانم ناقش معى ومع كمال بعد انصراف الزملاء موضوع كيفية وضع طريقة الاتصال وتوصيل المعلومات الى تلك المجموعات التى كان كمال الصياد يقودها حتى ذلك الوقت
وتذكرت مناقشة سمير لطريقة الحصول على المعلومات منه ومن بقية التشكيلات وضرورة توصيلها الى أعلى وأتضح لى مخطط كمال الصياد وسمير غانم بالنسبة لى ولماذا طلبا منى الان هذا الطلب شخصيا
وهكذا أوضحت لى الأحداث نيتهما من جعل مسكننا فى الدور الثالث بمنزل أبو سلامة مركزا لجهاز اللاسلكى الرئيسى نظرا لوضعه الرقابى المناسب بامكانية مراقبة شارع سعد زغلول بكافة امتداده وطوله أعتبارا من ميدان المنشية فى أقصى الشرق حتى انحنائه الخفيف من بالقرب سينما مصر علاوة على نقطة التقاء هذا الشارع الرئيسى فى شكل مثلث مع شارع صفية زغلول المحور الرئيسى الثانى فى المدينة وسنلاحظ عند متابعة العمليات العصابية الحربية فى المدينة أن هذا المثلث قد لعب دورا حساسا طوال مدة بقاء القوات المعتدية فى المدينة
.......
....
......
ولكن ... ماذا حدث ... ؟؟؟
هل وافق شقيقى محمد هادى ... ؟؟؟
وماذا كان موقف عبدالمنعم ... ؟؟؟؟
لقد كنت لا أزال قـــاصرا فى العمر ... ومــازلت أسكن مع والدتى رحمها الله فى المســكن ... وكان شقيقى محمد هــادى ... مازال ولى أمرى وعميد العائلة ، وله الكلمة النهائية بالموافقة أو الرفض ... ؟؟؟؟ !!!!!
اسألة كثيرة ....
شقيقى محمد هادى يشارك زنزانة السجن مع الرئيس أنور السادات
..... نظرت الى والدتى واشقائى فرأيت عيون هادى ونعيم تملأئها الفرح والآعتزاز فتوالى فى خاطرى فورا شريط ذكريات قديمة كفيلم سينمائى سريع شاهدت فيه توالى العديد من زيارات الفجر البشعة خلال ايام الحكم الملكى عندما حضر أفراد المباحث الساسية وصوت الطرق على باب مسكننا ودخلوهم واقتحامهم لمنزلنا وهم يشهرون لاسلحنهم كى يوقعون القبض على شقيقى محمد هادى لكى يزجون به فى زنزانات السجن السياسى الواقعة خلف مبنى قسم الميناء والمعروف باسم سجن الآجانب كما توالت ايضا أمام عيونى ذكريات مشاركة شقيقى محمد هادى لآحد زنزانات السجن المذكور مع الرئيس السابق محمد أنور السادات،
وتوالت فى ذكرياتى وتوارد فيها كيف اننى كنت أحمل الطعام وفى داخله الرسائل السرية التى كانت تصلنا من زملائه فى قيادة حزب مصر الفتاة لكى نوصلها اليه والى صديقه محمد شاكر مخلوف الذى كان يقبض عليه معه كل مرة ايضا
ولم تترك ذكرياتى ألام كيفية القبض المؤقت علي محمد هادى بعد حرب فلسطين وعليهما سويا قبل وقوع الثورة فى يوليو 1952 بسبب نشاطهما فى المقاومة السرية لجنود الآحتلال فى منطقة القنال وتوالت أمام عيونى دموع والدتى وإلامها ثم قارنت بين هذه الليالى بذكرياتهم البشعة وبين هذه اللحظة التى تطلب منى فيها الدولة والقيادة الرسمية للمقاومة الشعبية المسلحة التى تدعمها المخابرات العامة أن نخبئ جهاز الللاسلكى ونستضيف فى مسكننا ضباطهم.... وكم تمنيت وقتها أن يشاهد والدى هذه اللحظة ويعيشها وقرأت فى سرى الفاتحة على روحه ....وأحسست لفترة قصيرة بالوحدة القاسية لغياب شقيقى محمود ووالدى رحمهما الله
.....
.......
د. يحى الشاعر
مقتطف من سطور كتابى
" الوجه الآخر للميدالية، حرب السويس 1956 ،
أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد"
بقلم يحى الشاعر
الطـبعة الثـانية 2006
طبعة موسعة
رقم الأيداع 1848 2006
الترقيم الدولى ISBN 977 – 08 – 1245 - 5