من بطولات العدوان الثلاثي
بطل لاسلكى المخابرات العامة الملازم أول (لواء أ ح) فرج محمد فرج عثمان
بطل لاسلكى المخابرات العامة الملازم أول (لواء أ ح) فرج محمد فرج عثمان
لم تكن معركه بورسعيد خاصه بأهالي بورسعيد فقط فقد هب الشعب المصري للدفاع عن أرض مصر الطاهره, من هؤلاء الابطال ما هو معروف للجميع كالشهيد جواد حسني قائد فدائي كتيبه كليه الحقوق بجامعه القاهره و منهم من لا نعلم عنهم الكثير وواجبنا التعرف عليهم وعلى كل من ضحى فداء لهذا الوطن
وسأوالى ، نشر "سطور وصور عن هؤلاء الأبطال المجهولين" ، وحتى يتمكن القارىء من تحديد مكانه فى تشكيل قيادة المقاومة السرية المسلحة ، سانشر بشكل متواصل ، صورتى التشكيل القيادى والتنفيذى للمقاومة السرية المسلحة
وقد تحدثنا عن اللاسلكى ... ، ونشرت صوره ، وتخبئته فى منزل "يحى الشاعر" .. وكيف أن البريطانيين إكتشفوا "مصدر الموجات اللاسلكية" فى منطقة مسكن يحى الشاعر ، وحلقت الهليوكوبتر فوق سطح المنزل .. وبدأوا فى تفتيش مسكن المنزل ، حتى دخلت داورية بريطانية الى المسكن ، وبدأت تفتيشه ، .. وكيف أن السيدة الفاضلة "أمينة محمد الغريب- الشاعر" والدى رحمها الله ، قامت بحيلة ،"الأغماء على نفسها" لإبعاد النظر عن جهاز اللاسلكى .. المخبىء فى دولاب ملابسها ..، وفى هذا المجال ذكرت بأن "الملازم أول " فرج محمد فرج ، كان قد إختبأ ومعه مدفعا رشاشا فى كمين داخل دولاب الملابس ، حتى. يفاجىء الداورية البريطانية ، إذا إكتشفت مكان الجهاز وفتحت باب دولاب الملابس ...
إذن ... من هو هذا البطل ، الذى بقى فى منزل يحى الشاعر "دون أيغادرة" طوال مدة تواجد القوات الأنجلوفرنسية فى المدينة ، وكان مسئولا عن لجهاز اللاسلكى .. وعن الأتصالات اللاسلكية مع رئاسة الجمهورية وإدارة المخابرات العامة فى القاهره
وهذه نبذه عن دور الملازم أول فرج محمد فرج في مقاومه العدوان الثلاثي
ملخص قصة تسلله الى بورسعيد "بلسانه"
تسلل فرج الى بورسعيد ومعه جهاز اللاسلكى إلى مقر رئاسة المقاومة هناك، قسم الجهاز إلى عدة أجزاء وحضر الشاب يحيى الشاعر ومعه عدد من أصدقائه على دراجاتهم ، وفى هدوء أخذوا ينقلون الجهاز إلى منزل يحيى الشاعر حيث قابلتهم والدته الشجاعة وساعدتهم فى نقله إلى دولاب ملابسها ، وفى وقت لاحق قام الضابط فرج بتشغيل الجهاز للاتصال بالقاهره وعاش في منزل أم الفدائيين والدة يحيى. فترة وجودى ببورسعيد بمعداتى اللاسلكية
- يروى فرج انه دخل الى غرفة مكتب كمال الدين حسين فى الاسماعيلية ونظر حوله فى الغرفة البسيطة الفراش (حوالى أربعة أمتار طولا وعرضا) التى أمضى فيها الرئيس عبد الناصر الليل قبل ساعات معدودة
- فى هذه الغرفة تبادل الرئيس عبد الناصر مع كمال الدين حسين النوم على سرير الميدان الذى لا يتعدى عرضه 90 سنتيمترا
- يوالى فرج ان هذه اللحظة قد زادت من تصميمه على القيام الفورى بعمل كل ما فى قدرته لكى يتطوع من نفسه للذهاب الى بورسعيد كضابط جيش واجبه الدفاع عن الوطن ولكن سار القدر وكان يخبىء له شىء اكبر مازال يعتز بشرف المساهمة فيه وهو المسئولية عن الاتصالات اللاسلكية للمقاومة الشعبية
- اهم من ذلك بقاؤه بطلا مجهولا يعتز بعمله الذى قام به عندما يفتح عينيه كل صباح ويشاهد مصر تعيش حرة
- سأله كمال الدين حسين (كمسئولا مباشرا عن تشكيلات الحرس الوطنى المسلحة كما كان سابقا فى بداية انشاء هذه القوات عام 1953) اذا كان يود أن يتطوع للشهادة فى سبيل الله والوطن. وأجابه فرج بأن المسؤلية تجاه الوطن لا تستدعى التطوع للشهادة بل تبغيها اذا لزم وهى فرض على كل مواطن
- فهم فرج فورا المطلوب منه، أى التسلل الى بورسعيد وهنا اصدر كمال الدين حسين اوامره لفرج بالتوجه الى بورسعيد ليتولى من هناك مسئولية الجهاز اللاسلكى فى المقاومة ببورسعيد وعن جميع الاتصالات اللاسلكية مع القصر الجمهورى وادارة المخابرات العامة فى القاهرة والاسماعيلية
- واجاب فرج بانه على استعداد للذهاب فورا
- لم يضع كمال الدين حسين اى وقت واصدر اوامره الى فرج بان يأخذ جهاز لاسلكى معين قوى الارسال كان موجودا ضمن معدات مكتب المخابرات باللاسماعيلية والتسلل الى المدينة بعد اخذ الاوامر التنسيقية من البكباشى محمد عبد الفتاح ابو الفضل ومعلومات عن مكان اللقاء المعين من اليوزباشى سمير غنيم
- بدأ فرج طريقه الطويل .... للتسلل الى بورسعيد ، ولكن حدث أول مفاجأة ......
.....
ولقد كان هذا هو الجهاز اللاسلكى الوحيد فى المدينة ، الذى كان يتم عن طريقه الأتصال بالرئيس جمال عبدالناصر ورئاسة الجمهورية وإدارة المخابرات العامة ، وكان يتم عن طريق تلقى الأوامر والتعليمات الموجهة لقيادة المقاومة السرية ومحافظ بورسعيد
كان الملازم أول فرج محمد فرج ، يقيم فى منزلنا بصفة مستمرة ، وكانت والدتى رحمها الله ، قد أستضافته للأقامة فى مسكننا طوال مدة تواجد القوات الأنجلوفرنسية فى بورسعيد ... وسأنشر سطورا عن بطولة هذه الوالدة الحنون ، التى علمتنا فى مهد الطفولة ... الوطنية ، وكانت لنا أفضل مثال للوطنية
وهو ما يدونه الصاغ أ ح سعد عبدالله عفرة ، مبعوث الرئيس جمال عبدالناصر ...
ولقد أستضافت والدتى فى مسكننا ، مبعوثى القاهرة من ضباط المخابرات العامة "قادة المقاومة السرية " ايضا ، حيث كان يقيم فى منزلنا بصفة مستمرة ، الصاغ أ ح سعد عبدالله عفرة ، مبعوث الرئيس جمال عبدالناصر لقيادة المرحلة الثانية من المقاومة السرية المسلحة ، التى تميزت بالقسوة والشدة والأعداد لمواجهة مباشرة بين القوات المسلحة المصرية والقوات الأنجلوفرنسية ...
أفضل قبل الأستمرار أن أبدأ ببعض المقتطافات من تلك القصة التى أدون تفاصيلها فى كتابى ،
بعدما التقينا فى مكتب اليوزياشى كمال الصياد ، لمناقشة عمليات المقاومة السرية ونتائج كمائننا الهجومية على داوريات العدو فى الليلة الماضية ..
....
تميز هذا اليوم بشعور غريب ساد على منذ الصباح ولم اتمكن من تعليل اسبابه ولم أكن أدرى أن القدر يخبئ لى فى هذه اللحظة ماسوف يغير مسير حياتى الى الأبد...
فما كدت أغادر مدخل بناية منزلنا حتى رأيت دورية سيارات لاندروفر بريطانية وقد نصب عليها مدفع رشاش من طراز برن تمر أمام منزلنا وفى نفس الوقت واجهنى المنظر المؤلم لداورية مترجلة تكونت من 4 جنود بريطانيون كانوا يمرون تحت بواكى المنزل وبدأوا ينزعون صورة الرئيس جمال عبد الناصر من على جدران البنايد ومن على أعمدة المنزل
وزاد غضبى الذى سيطرت عليه عندما شاهدتهم يدوسون بأحتقار علي صوره بأحذيتهم الثقيلة فأقسمت لنفسى بجذل كل جهدى لتحويل حياة هؤلاء الغزاة الى نار جحيم وركبت دراجتى متوجها فى طريقى الى مبنى بوليس قسم العرب لأحضر تقريرى عن عملياتنا فى اليوم السابق وإجتماعى مع كمال الصياد و سمير غانم
بعدما ناقشت مع كمال الصياد التقرير الذى سنقدمه الى سمير غانم عن عملياتنا فى اليوم السابق جلست معه لمناقشة عملياتنا خلال اليوم والييل بعد حظر التجول ودخل علينا اليوزباشى سمير غانم فى حوالى الساعة التاسعة وخمسة وأربعون دقيقة كعادته وبعد أن استمع الى تقريرى عن اليوم السابق وقبل أن نبدأ فى مناقشة تخطيط عمليات اليوم والكمائن التى ننوي نصبها للداوريات البريطانية فى المساء
فاجأنى سمير غانم بسؤالى وسؤال كمال الصياد عما اذا كان فى الامكان أن نخبئ جهاز لاسلكى لمدة قصيرة فى منزل عائلة الشاعر وفوجئت بسؤال سمير وبهرت به فلم أكن أتوقعه بالمرة وعندما سألت عن موعد التنفيذ أجاب سمير غانم بكلمة واحدة كانت تعنى الكثير
"... فـــــــــورا....."
ونظر الى عيونى مباشرة بنظرة تعنى أنه يتوقع الموافقة. ... فنظرت الى كمال الصياد فقال لى فى صوت أخوى حنون واضح " إقبل يايحي وروح اتكلم مع اخوك هادى " ....
حيث أن شقيقى محمد هادى رحمه الله ، كان عميدا للعائلة بعد وفاة والدى فى العام السابق كما كانت تجمع بينه وبين كمال علاقة صداقة حميمة منذ أيام تعاونهما مع المخابرات فى عمليات مقاومة الآحتلال البريطانى فى قناة السويس قبل معاهدة الجلاء سنة 1954
واحنى سمير غانم رأسه مؤيدا فنظرت مرة أخرى الى كل من قائدى المباشرين الضابطين اليوزباشى كمال الصياد وكان يرتدى زي البوليس الرسمى والى اليوزباشى سمير غانم الذى كان يرتدى ملابسا مدنية تحقيقا للدور الغطائى الذى أختاره لنفسه "دكتور حمدى"
وأجبتهما بأننى لا بد لى من ضرورة تشاورى مع شقيقاى، حيث أننى لم اتعدى الثامنة عشر من عمرى ومازلت أعيش سويا مع والدتى رحمها الله فى المنزل
ثم طلبت أن استعمل التليفون ولم يتوانى كمال الصياد لحظة فرفع سماعة التليفون وطلب لى خطا مباشرا بينما طلب على جهاز التليفون الداخلى الثانى أن تقوم أحدى سيارات البوليس التابعة لقسم بوليس العرب "ثانى" بتوصيلى الى منزلى بأسرع وقت ممكن وانتظارى لأرجاعى للمكتب مرة أخرى.
قمت بالأتصال الهاتفي بكل من شقيقاى محمد هادى فى شقته بالمنزل الحديدى وعبد المنعم الذى كان يتواجد فى منزل حماه وطلبت منهما فى صوت متأثر أن نتقابل فى منزلنا فورا للتشاور فى أمر عائلى سريع وحساس مما جعلهما يعتقدان وقوع ضرر صحى مفاجئ لوالدتى التى كان يسبب لها مرضها ضغط الدم العالى وضعف القلب الألم الكبير فوعدنى كل منهما بالتواجد فى المنزل خلال نصف ساعة، فأخبرت كمال وسمير بنتيجة محادثاتى التليفونية ثم .....
غادرت الغرفة ونزلت سلالم مبنى البوليس الى السيارة التى كانت تنتظرنى فى مواجهة المدخل الرئيسى فدخلتها وشرحت للسائق عنوان المنزل.
وسرح فكرى بعيدا فى الطريق الى منزلنا ..... وتذكرت شقيقى محمود وكان يعمل كضابط مهندس بحرى فى سلاح الغواصات ويقوم بخدمة الوطن فى مكان ما فى أعماق البحر الأبيض .... وكم تمنيت ساعتها أاشتراكه معى فى هذه اللحظة الوطنية وساد على نوع من الحزن، ويظهر أن الأسى ظهر على بسمات وجهى فقد سألنى سأئق سيارة البوليس عما بى فأجبته بلاشئ وبقيت فى تمعنى وتخيلى البعيد بينما كنت ادعى الله تعالى أن يوفقنى لكى أحصل على موافقة شقيقاى الذين تميزا بثقة كل منهما فى رأيه فقط ......
وتوارد الى ذهنى مرة أخرى مناقشاتنا فور اجتماعنا التوجيهى القيادى يوم الأربعاء 13 نوفمبر مع قادة المجموعات المختلفة للمقاومة السرية وكيف أن سمير غانم ناقش معى ومع كمال بعد انصراف الزملاء موضوع كيفية وضع طريقة الاتصال وتوصيل المعلومات الى تلك المجموعات التى كان كمال الصياد يقودها حتى ذلك الوقت
وتذكرت مناقشة سمير لطريقة الحصول على المعلومات منه ومن بقية التشكيلات وضرورة توصيلها الى أعلى وأتضح لى مخطط كمال الصياد وسمير غانم بالنسبة لى ولماذا طلبا منى الان هذا الطلب شخصيا
وهكذا أوضحت لى الأحداث نيتهما من جعل مسكننا فى الدور الثالث بمنزل أبو سلامة مركزا لجهاز اللاسلكى الرئيسى نظرا لوضعه الرقابى المناسب بامكانية مراقبة شارع سعد زغلول بكافة امتداده وطوله أعتبارا من ميدان المنشية فى أقصى الشرق حتى انحنائه الخفيف من بالقرب سينما مصر علاوة على نقطة التقاء هذا الشارع الرئيسى فى شكل مثلث مع شارع صفية زغلول المحور الرئيسى الثانى فى المدينة وسنلاحظ عند متابعة العمليات العصابية الحربية فى المدينة أن هذا المثلث قد لعب دورا حساسا طوال مدة بقاء القوات المعتدية فى المدينة
....... .... ...... ولكن ... ماذا حدث ... ؟؟؟ هل وافق شقى محمد هادى ... وماذا كان موقف عبدالمنعم ...
لقد كنت لا أزال قـــاصرا فى العمر ... ومــازلت أسكن مع والدتى رحمها الله فى المســكن ...
وكان شقيقى محمد هــادى ... ولى أمرى ... ؟؟؟؟
مـازال شقيقى عبد المنعم يتباهى بهذه الحادثة ، التى إمتلت بتسلسلات مسرحية درامية ، ......
والحمدلله ... كان الكل تمثيل فى تمثيل ... رغم الآهانة والسخافة !!!!!
.. ولكننا توصلنا فى النهاية ونجحنا فى قصدنا... من نقل جهاز اللاسلكى الضخم الى مسكننا لتخبئته فى ... "دولاب ملايس والدتى " رحمها الله
ولكن هذه قصة أخرى .. والآن
أرجو القارىء أن لا يضحك ، أو يستغرب .... !!!!!
شقيقى عبدالمنعم يعاتبنى ويصفعنى على وجهى
كان شقيقاى محمد هادى وعبدالمنعم يقفان على شرفة بلكون منزلنا كما طلبت منهما سابقا ويستطلعان الشارع مننتظرين حضورى حيث أنهما لم يكن يعلمان عن كيفية حضورى مع جهاز اللاسلكى ولما شاهدا سيارة البوليس تقف أمام المنزل ونزولى منها اسرع شقيقى عبد المنعم فى النزول متلهفا لمقابلتى بينما قرر هادى البقاء لمراقبة مايحدث على طول الشارع للتصرف وإنذارنا مبكرا فى حالة جذبنا لأنتباه أى من داوريات العدو بينما تقدمنا اليوزباشى كمال الصياد فى صعود السلم ويذكر كمال الصياد (1) " .... وفى الحال أحضرت سيارة البوليس ونقلت الجهاز الى منزل ابوسلامة بشارع سعدزغلول وكان سائق السيارة المخبر الجراحى الجندى بالبوليس بقسم العرب من المجموعات ونقلنا الجهاز الى الدور الثالث حيث تسكن أسرة الشاعر وساعدنا فى ذلك عبدالمنعم الشاعر وشقيقه يحى...."
وقد أدى ثقل الجهاز الى أن يصدر عن السلم الخسبى أصواتا عالية ، جذبت أنتباه السكان ... خلال صعودنا سلم البناية حتى الدور الثالث ..
قرر كمال الصياد أن يتخذ إجراء حذرى ضد إستطلاع السكان وتخويفهم اذا فتح أى من الجيران أبواب سكنهم استطلاعا ولذا حضر معى لمصاحبتنى الى منزلنا فى السيارة وهو يرتدي رداءه الرسمى برتبته حتى تثير رؤيته الخوف ولقد أثبتت توقعاته صحتها فيما بعد
التقى بى شقيقى عبد المنعم على درجات سلم الدور الأول ورآنى أصعد درجات السلم حاملا لصندوق خشبى كبير بمساعدة المخبر الجراحى سائق السيارة وقد إنحنى ظهرنا تحت ثقل الصندوق الخشبى الثقيل الذى خبئت فيه جهاز اللاسلكى وكان يسبب أصوات كثيرة من تحت خطوات أقدامنا على درجات سلم المنزل الخشبية القديمة مما جعل أحد السكان فى الدور الأول يفتح باب مدخل مسكنه للأستطلاع مندهشا عندما حاول أحدى الجيران الساكنين التسلط وفتحوا الباب ولما شاهد كمال ماحدث صرخ فيهم قائلا (1) " إقفلى الباب يابنت ال....." وأمرهم بإغلاق باب المسكن
وفى هذه اللحظة ماكاد شقيقى عبد المنعم يشاهدنى أحمل الصندوق الثقيل مح المخبر "الجراحى" وينتبه الى فتح الجار المذكور لباب مسكنه حتى قام شقيقى عبد المنعم فجأة فى مدار مسرحية درامية وصفعنى على وجهى موجها الى الشتيمة .... !!!! .... صارخا بصوت عال يسمعه السكان ، بأننى "سرقت شيئا من مخلفات الجيش ، ولا بد التخلص منها فورا ... الخ ... الخ .... هادفا بهذه الصفعة ....ابعاد أنتباه الجيران .. عنى ... !!!! ..... وحصل .... !!!!
وكانت تلك تمثيلية درامية " حيث أن المعروف عن شقيقى عبدالمنعم هوايته للتمثيل وأنه يعشق التمثيل .. وخاصة الدرامى المفاجئ..... !!! وما زال شقيقى عبدالمنعم يتباهى بيفتخر بهذه الحادثة حتى اليوم وبعد مرور حوالى خمسون عاما
شعرت بالغضب الشديد ..... فقد كنت أتوقع من شقيقى أن يساعدنا فى حمل الصندوق بدلا من أن يقوم بتمثيليته الهاتفة المشينة ويصفعنى على وجهى.......!!!!
وظهر غضبى على سمات وجهى لهذه الأهانة ... فليس له الحق أن يصفعنى .... ..ولم يحدث أن صفعنى والدى رحمه الله ، حتى مماته عام 1955
... فكيف له ... وبأى حق ... وماذا يعتقد من هو فى نفسه ....فهذا غرور وقاة أدب واضحة ؟؟؟؟ ... إنه أكبر سبعة سنوات فقط وليس ولى أمرى ... ولا يحق لأنسان صفعى على وجهى مهما يكن هذا الشخص ...
شاهد اليوزباشى كمال الصياد ما حدث .. لاحظ اليوزباشى كمال الصياد ما يحيم فى صدرى لهذه المفاجأة المهينة ، كما لاحظه ايضا المخبر الجراحى الذى كان يرافقه "سواق سيارة البوليس التى نقلت الجهاز " ويساعدنى فى حمل الصندوق الثقيل.
...فنظر كمال الصياد الى عيونى مياشرة وأعتذرا لى وأشار ، بما يعنى ... معلهش ... إمسحها فيي ...يا يحى .... أصـــبر ...." وأبديا تأسفهما عما حدث من إهانة شقيقى .... !!!!
وقد دون كمال الصياد ماحدث وقتها كالتالى "...ولما كان سلم المنزل من الخشب القديم وثقل الجهاز كان يصدر من تحت أقدامنا أصولت كثيرة ففتح السكان أبوابهم ورأونا ونحن نحمل الجهاز (الصندوق الخشبى الكبير) الى أعلى وعلى الفور قام عبدالمنعم بصفع شقيقه الصغير يحي باقلام وقال له أمام السكان كيف تحضر هذه الأشياء من الأنجليز إنزل مع ضابط البوليس الذى هو أنا للقسم لتسليمها فنزلنا ونحن نحمل الصندوق الذى كان به الجهاز وهو خاليا ومثلنا أنه مملوء وصرنا نسمع الشكر من السكان لتوصيل هذه الأشياء الى القسم ، وفعلا أعدنا الصندوق الفارغ الى حجرتى لقسم العرب وخلعت ردائى الرسمى ولبست جلباب مثل الصيادين وعدنا الى منزل الشاعر......" (1)
......
.....
واصلت الصعود الى مسكننا ....
وأصبح الموقف يستدعى سرعة التحرك وفى الواقع واصلنا صعودنا السلم وقررنا أفراغ الصندوق ومواصلة لعبة دورنا فى التمثيلية التى بدأها شقيقى فما كدنا نصل الى شقة مسكننا وندخله حتى أغلق كمال الصياد الباب خلفنا وهرول الى مساعدتنا فى حمل الصندوق وأشترك معنا الملازم فرج محمد فرج وشقيقى محمد هادى فى مواصلة حمل الصندوق الى داخل غرفة نوم والدتى بناء على توجيهى " وبدت الدهشة على وجهه لحث وإلحاح اليوزباشى كمال الصياد على الإسراع فى تفرغة الصندوق الخشبى"
كانت والدتى تتقدمنا حتى دخلنا غرفتها أما عبد المنعم فقد فضل البقاء خارج باب الشقة للحظة حتى يتأكد من عدم تتبع أى شخص أو أى من الجيران لنا ...!!! .... وأفضى كمال الصياد فى أذن شقيقى محمد هادى بشىء ما ... هامسا ... فأقبل رحمه الله ومسح على ظهرى قائلا بصوت منخفض "...... معلهش ... الظروف صعبة قوى علينا كلنا .... والأنجليز بره فى كل مكان ... ســامحه ... "
كان لا بد من الاسراع بتفرغة الصندوق الخشبى وحمله بشكل يوحى للسكان أنه مازال مليئا بما كان فيه فسارع فرج بفتح الصندوق وبدأنا بمساعدة شقيقى محمد هادى رحمه الله نخرج من الصندوق الخشبى أجزاء جهاز اللاسلكى المتعددة التى كانت لا تزال ملفوفة فى الورق ووضعناهم على المنضدة الموجودة فى الغرفة دون محاولة فك اللفات وأنتهينا من أفراغ الصندوق بسرعة ... وتوجهت مع المخبر ...... وأبعدنا الصندوق ....لمغادرة مسكننا ونحن نحمله خاليا من قطع الجهاز ونزلنا متظاهرين بثقله ورافقنا اليوزباشى كمال الصياد فى رداءه الرسمى وهيبته ... "ضابط بوليس" ... شــرطة ... !!!
توالت التمثيلية بعدما غادرنا مسكننا ، كان لابد من تكملة تلك التمثيلية التى بدأنا بها ونزلنا درجات السلم بشكل تمثيلى بطىء وتظاهرنا بأنه مازال مملوءا بحمولته بحجة توصيله ومحتوياته من الأشياء .... وسمعنا اصوات الشكر من السكان .... وواصل شقيقى الصريخ باضرورة القاء طكل مأ أحضرته ... ووالى تمثيليته ... "وحافظ على عدم الأقتراب منى ... فقد وجه كمال الصياد اللوم اليه وحذره .... !!!! بالبقاء فى حدوده .... !!!!
نانصل الى باب مدخل البناية ، تحت البواكى حتى توقفنا لحظة للتأكد من عدم تواجد أى داورية جنود انجليزية بالقرب من مدخل المنزل خوفا من تمكنهم من مراقبة الوضع والتشكك فيما نعمل ، ... ثم تصرفنا بشكل سريع فحملنا الصندوق الى السيارة وتركت كمال الصياد والشرطى الجراحي يسوق السيارة بالصندوق بعيدا عن المنزل ويدون كمال الصياد "..فعلا أعدنا الصندوق الفارغ الى حجرتى لقسم العرب وخلعت ردائي الرسمى ولبست جلباب مثل الصيادين وعدنا إلى منزل الشاعر ..."(1)
رجعت وصعدت الى مسكننا لتقديم المساعدة فيما يود كما عرفنى الملازم فرج وشقيقى محمد هادى ، الذى كان عنده معرفة بالأجهزة اللاسلكية الميدانية "كضابط إحتياط" .
هكذا أنـقـذ جهاز أللاسلكى بحيلة والدتى ...
"إدعاء الأغماء على نفسها
بينما يكمن الملازم فرج مختبئا بمدفع رشاش فى دولاب ملابسها "... !!!
كلما يقترب يوم ذكرى عيد النصر فى بورسعيد ... يزداد عدد الذين يدعون بأنهم كانوا أبطال "لا يقهرون" خلال المقاومة السرية المسلحة
فى بورسعيد 1956 .... وبالتالى تنتشر قصص عديدة تتميز بأنها تنتمى الى "أبو لمعة".. بسبب مغالاتها وعدم تناسقها مع المنطقية أو العقل
... قبل إنتمائها للحقيقة ...
ومن المؤلم أن بدأت تطفوا العديد من الأدعاءات فى الأيام ألأخيرة ، حول كيفية تخبئة جهاز اللاسلكى ، وتزايدت هذه الأدعاءات، وكثرت القصص بشكل لا يمكننى السكوت عليه ، وفاء لأمانة فى عنقى أمام روح والدتلى رحمها الله وأمام روح الصديق الحبيب "المرحوم" اللواء فرج محمد فرج عثمان ... الذى تولى مسؤلية اللاسلكى وكان ضيفنا خلال كل الوقت حتى خروج البريطانيون من المدينة ...
ويكفى لمعرفة صبره ، أنه لــــــــم يــــغــــــادر مسكننا بالمرة ، منذ دخوله وإختبائه يوم 11 نوفمبر حتى يوم تفكيك ونقل الجهاز الى مكتب المخابرات العامة فى الأسماعياية يوم 27 ديسمبر 1956 ... وقد نقلناه فى سيارة فولكس واجن "ميكروباص" ، وكنت فى مرافقة كل من الصاغ أ ح سعد عبدالله عفرة ، الملازم أول فرج "لواء أ ح فيما بعد" وجاويش المظلات حسنى عوض
ويشرفنى الكشف عن أسرار تلك "ألسطورة" التى لا تصدق ... وأن أدون ملخصا من سطور ذكريات ... عن كيفية تخبئة الجهاز عندما قامت الدورية البريطانية بتفتيش مسكننا ..."
الواقع والحقيقة الثابته ، أنه ، إذا لم تقم والدتى بحيلتها ... "إدعاء الأغماء على نفسها" ، فقد كان إكتشاف جهاز اللاسلكى والملازم فرج وهو يكمن مختبئا فى دولاب ملايسها ومعه قنابل يدوية ومدفع رشاش للدفاع عن الجهاز اللاسلكى ... أمر محتم ... ذو عواقب سيئة عليها ، وعليه وعلى المقاومة السرية المسلحة ... ، بل كان أكتشاف الجهاز ، سيؤدى الى شلل قيادة المقاومة السرية وقطع اللأتصال مع رئاسة الجمهورية وإدارة المخابرات العامة لوقت طويل ، ينعكس سلبيا على المقاومة وتوجيهها من القاهرة ... بل كان الأكتشاف ، سيؤدى الى جذب إنتباه البريطانيين الى ضرورة إغلاق عزة القابوطى ، طريق تهريب "السلاح والذخائر والمفرقعات والأفراد" عبر بحيرة المنزلة ...
الهليوكوبتر فوق المنزل والداوربات البريطانية تفتش مسكننا
..... لم تقلل القوات البريطانية من جهودها فى محاولة اكتشاف مصدر الموجات اللاسلكية فى المدينة وبدأو يستعملون طائرة هليوكوبتر خفيفة من طراز ويستلاند دراجونليز فى الحوم فوق المدينة للبحث النظرى لاكتشاف عما اذا كان أحد الأشخاص يختفى فوق اسطح المبانى ليرسل برقياته اللاسلكية
وفى حوالى الساعة الحادية عشر والنصف من صباح احد الأيام ... وكان فرج قد انتهى لتوه من الأرسال وأغلق جهازه ، سمع فرج ووالدتى صوت طائرة هيليوكوبتر وهى تحوم حول منطقتنا بشكل مستديم ولهذا لم يخرج أى منهما الى شرفة مسكننا للنظر حيث أن حوم الطائرات الهليوكوبتر البريطانية فوق المدينة قد أصبح منظرا عاديا
ولكن أحساسا وشيئا غريبا لفت انتباه فرج ووالدتى حيث أن صوت محركات الطائرة قد أزداد بشكل واضح يصم الأذن مما يدعوا للأستنتاج أن الطائرة تحوم فوق سطح منزلنا مباشرة وبشكل منخفض ، وأعتقد فرج أن حوم الطائرة فوق المنزل هو استمرارا لعملية الأمس ببحثهم عن مصادر الموجات اللاسلكية ......فى منطقتنا .... ، فقد تكرر ظهور سياراة POSITION FINDER فى منطقة مسكننا ... نظرا لأستعمال "الملازم أول طاهر الأسمر"
جهاز الأرسال الذى كان فى حوزته "ووكى توكى ... ؟؟؟؟؟؟ " للأتصال بمكتب اللواء عبدالحكيم عامر ، مما سبب موجات لاسلكية لفتت اليهم إنتباه مراكز التصنت البريطانية ....
الملازم طاهر الأسمر ، يستعمل "ووكى توكى" للأتصال باللواء عبدالحكيم عامر ... فى القاهرة ؟؟؟؟؟
كانت هناك مشكلة ، ... فقد كان طاهر الأسمر ، يستعمل جهاز "ووكى توكى ... ؟؟؟؟ " من بلكون مسكن عائلة "الشامى" فى الدور الثالث ايضا من
" بناية الصيرفى " المجاورة لمنزلنا ... ولم يكن يدرى بأن جهاز اللاسلكى الرئيسى ، للأتصال يرئاسة الجمهورية والمخابرات العامة ، مخبأ فى مسكننا المواجه لمسكن الشامى ... وكان يفصلنا عنه ... عشرة أمتار فقط ....
قمت بلفت إنتباه الملازم "فرج" الى تلك الواقعة ، وفى خلال تمعننا لسطح بناية مسكننا من أجل وضع "سارية" لاسلكى لجهازنا ... إكتشفنا طاهر الأسمر
وهو يجهز "سارية" أرسال لجهازه "الووكى توكى ... ؟؟؟؟ " وهو أمر فنى يدعوا للتعجب
وعلى ذلك ، تدخل البكباشى عبدالفتاح ابوالفضل فورا ، وتم الأتفاق مع "اليوزباشى جلال الهريدى" قائد مجموعة الصاعقة وقتها ، على أن تستفيد الصاعقة من وجود جهاز ألارسال فى منزلنا للأتصال بالقيادة العامة للقوات المسلحة وبمكتب اللواء عبدالحكيم عامر الذى كانت تربطه بجلال الهريدى علاقة أحترام وصداقة شخصية
والدتى تكتشف الهليوكوبتر تستعد للهبوط فوق السطح
دعى صوت الهليوكوبتر المتزايد الى خروج الى شرفة بلكون مسكننا استوضاحا لما يدور وقد أخبرتنا والدتى وسردت لنا فيما بعد عما حدث بعد ذلك
... "... خرجت للبلكون أشوف اللى بيحصل فلاحظت الطيارة بتطير من فوق سينما الكورسال لبيتنا رايحة راجعة ، وزى ماتكون عايزة تنزل
فوق السطح وشفت داوريات العربيات الأنجليزي واقفين على تقاطع شارعين ديليسبس ومحمد على وبينزل منها جنودهم متجهين للبيوت اللى جنبنا..."
........
كانت لملاحظة والدتى قيمة كبيرة فقد توجه فرج الى الباب غرفة النوم المشرفة على البلكون وتسلل بنظره من خلف الستائر لمشاهدة ما يحدث وكيف أن الطائرة تحاول الهبوط على سطح بناية منزلنا دون جدوى ، نظرا لعدم تواجد مساحة كافية دون عقبات عالية تهدد محركاتها فكانت تحاول الحوم فوق سطح سينما الكوزموغرف بين بنايتيى الصيرفى وابوسلامة للتسلل بالنظر الى داخل الغرف الواقعة هناك والمطلة على الداخل بما فى ذلك غرفة النوم التى يتواجد فيها جهاز اللاسلكى....
....
.......
علاوة على ذلك لاحظ فرج تحرك بعض دوريات الجنود البريطانيون المترجلة والراكبة كما شاهد تمركزهم عند تقاطع شارعى سعد زغلول ومحمد على وكيف بدأت من هناك عدة داوريات مترجلة بريطانية تتكون كل منها من خمسة جنود يدخلون المنازل الواقعة على شارع سعدزغلول بالقرب من سينما الكورسال وفى المبنى المواجه لمنزلنا واستنتج فرج خطورة وحساسية الموقف وبالتالى عدم استثناء الدوريات المترجلة من تفتيش بناية منزلنا والبحث فيه
فرج يختبئ فى دولاب ملايس والدتى
... توقفت سيارة لاندروفر بريطانية هذه اللحظة أمام مدخل بناية مسكننا وغادرها ضابط بريطانى برتبة كابتن ، التحقت به داورية مترجلة دخلت البناية كانت الداورية تتكون من جندى يحمل على ظهره جهاز لاسلكى مشابها فى شكله وحجمه لحقيبة تلاميذ المدارس الأبتدائية وجنديان يحمل كل منهما بندقية من طراز لى انفيلد ماركة 4 بالاضافة الى جندى يحمل مدفع رشاش طراز برن وجندى يحمل مدفع رشاش طراز ستين علاوة على الضابط المرافق
بداوا يصعدون درجات سلم منزلنا بأحذيتهم الثقيلة ومرة أخرى كان يصدر من تحت خطوات أقدام الجنود على درجات سلم المنزل الخشبية القديمة أصوات كثيرة .... ومما زاد فى درامية الموقف ، أن الجنود البريطانيين كانوا يتحدثون ويتناقشون بصوت عال وكان الكابتن البريطانى يتحدث على جهازه اللاسلكى الميدانى مع قاعدته
كل هذه الأصوات و "الدوشة" جذبت انتباه السكان للأستطلاع مندهشين وما كادت أحدى البنات فى الدور الأول تفتح باب مسكنها وتشاهد منظر الجنود أمامها حتى صرخت بالطريقة المصرية المشهورة الى أختها بأن ألإجليز قد حضروا وصوتت " يـــاأختى .. الأنجليز جم ياخدونا .. " مما لفت أنتباه بقية سكان المنزل وأدخل الحيرة الى الغرباء الأوربيين الذين يصعدون السلم ....
رغم ذلك ، واصل جنود الداورية واصلوا تقدمهم ، بالطرق على ابواب المساكن المتواجدة فى الدور الأول ففتح لهم كل من الجيران باب مسكنه وادخلوهم وبعد لحظة توجهوا الى شقة مسكن آخر فى الدور الأول ... وبدأوا يطرقون بابها للدخول بينما لم يرد أى شخص على طرقهم على باب وشاهدهم السكان فأخبروهم بأن المسكن خاليا من اصحابه الذين تركوه قبل ألعدوان لهجرتهم من بورسعيد.....فأخبر الضابط قاعدته باللاسلكى عما واجهه وبدوا فى الصعود الى الدور الثانى لتفيتش مساكنه ايضا
لم يكن يتواجد فى مسكننا فى هذا اليوم سوى فرج ووالدتى
كنت اتواجد مع كمال الصياد فى غرفة مكتب ضابط المباحث فى قسم العرب حيث كنا نختبئ ونوجه ونقود من هناك عمليات المقاومة ضد اللقوات البريطانية ولم يكن يتواجد فى مسكننا فى هذا اليوم سوى فرج ووالدتى ....
........
....
الملازم فرج يختبىء فى دولاب ملابس والدتى
جذبت كل هذه الأصوات انتباه فرج ووالدتى فقام فرج بالتحدث مع والدتى على الفور وطلب منها فتح الباب للداورية البريطانية عند طرقها له ، وأخبرها بعدم القلق وبأنه يعرف كيف يتصرف وأنه سيختبئ فى دولاب ملايسها وطلب منها أن تغلق عليه باب الدولاب وأكد عليها طلبه بأن ترافقهم خلال تفتيشهم لجميع غرف مسكننا ... وحذرها بعدم الوقوف خلف الجنود متحججا لها بأنه ستقف كذلك فى طريقه عندما يريد أن ينطلق هاربا من الدولاب ... كم أكد علىها بضرورة تواجدها أمام الداورية والنظر اليهم فى عيونهم بشكل مباشر ...ويتذكر فرج هذه اللحظات فيسرد
".... دخلت الدولاب وخبيت نفسى فيه جنب الجهاز ، ومسكت فى ايدى البندقية ألأوتوماتيكية التشيكى ومعايا قنبلتيى يدوى وربصت مستنيهم يفتحوا الدولاب علشان أرش عليهم الرصاص ..."
يعلم الله وحده احساسات والدتى ومدى ثقل هذه اللحظات عليها وخاصة عندما نعلم بالتأثير السلبى عليها نتيجة لمرض ضغط الدم العالى ولضعف القلب التى كانت تعانى منه ، والتأثير السلبى على صحتها ، لما عاصرته "رحمها الله" ليس فقط خلال ايام العدوان الماضية بل خلال السنوات الطويلة السابقة التى كان كل من أولادها يقوم فيها بواجبه لمقاومة البريطانيين أو معارضة والدى وشقيقى محمد هادى لحكم الملك فاروق فنتوقع أن تنهار جسمانيا فى أى لحظة ... ولقد شاءت إرادت الله تعالى ، أن تتوفى والدى بعد عدة شهور ، ولم تسعد برؤية إحتفالات الذكرى الأولى لعيد النصر ... ومقابلة جمال عبدالناصر ..... !!!!
....
........
سمعت والدتى طرقا على باب مدخل مسكننا ، فتوجهت اليه وفتحت الباب لتواجه أمامها شبابا فى عمر اولادها ، كان قد تعود نظرها على رؤيتهم فى شوارع بورسعيد خلال السنوات الماضية منذ تفتحت عيناها لضوء الحياة حتى مغادرتهم لآرض الوطن بعد معاهدة الجلاء وتداول الى فكر والدتى ذكريات وسردت لنا فيما بعد قائلة
"....شفت قدامى خمسة عساكر فى عمر أولادى وتذكرت كبف أن اولادى الأربعة هادى ومنعم ومحمود ويحى قد قاموا ومازالوا يقيمون بدورهم فى مكافحة الأستعمار وتحرير وطننا من الغازى ... وافتكرت أيام زوجى وقررت أن أنضم لقافلة المكافحين لحرية مصر وسمعت ام كلثوم تغنى .... مصر التى فى خاطرى وفى دمى، أحبها من كل روحى ودمى.... وقلت لازم أضحك عليهم وأخدعهم، فنظرت اليهم وابتسمت مستفسرة قائلة .... أيوه فى ايه ؟ ..."
........
....
كانت والدتى مازالت حزينة على والدى الذى لم يكن قد مضى على وفاته وقت طويل ولما شاهدها الضابط وتطلع الى وجهها السمح وشخصيتها الهدؤة الحنونة ، تلعثم الكلام فى فمه وتأسف لوالدتى على مضايقتهم لها فى هذا الوقت المبكر وطلب منها السماح له ولجنوده بالدخول الى مسكننا للبحث الروتينى الذين يقومون به فى المنطقة أجابتهم والدتى بعدم ممانعتها وطلبت منهم الدخول وقرأت والدتى فى نفسها الشهادة وقالت " كل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا..."
وكأن الله تعالى اراد أن يصد كيدهم الى نحورهم عندما طلبت من الضابط المرافق للداورية أن يصاحبها وتوجهت معهم فى بحثهم وتفتيشهم للمسكن ... من المدخل الى المطبخ ، الى صالة الحمام ، ثم اصطحبتهم الى غرفة الطعام ثم وجهتهم الى قاعة الصالون والى غرفتى النوم وغرفة الضيوف تاركة ومتفادية التوجه معهم الى غرفة نومها ، حيث كان فرج يكمن مختبئا مع جهاز اللاسلكى فى دولاب ملابسها ، مستعدا لمفاجأة الجنود بالدفاع الشخصى
وأخيرا سألتهم والدتى عما اذا كانوا يودون رؤية غرفة نومها ايضا كتكملة لتفتيش بقية غرف النوم ويظهر أن الضابط البريطانى قد لاحظ تأثير هذه اللحظات على سيدة وحيدة لم يتعدى عمرها الخمسون عاما تواجه خمسة جنود مسلحون يشهرون مدافعهما الرشاشة ويحملون بنادقهما ويتحدثون بلهجة أوامر شديدة على جهاز لاسلكى يحملونه معهم ..... !!!!
....
........
وافق الضابط البريطانى على اجابة سؤال والدتى بمصاحبتها لرؤية الغرفة الآخيرة وكرر بكل أدب تأسفه وبين الضابط مرة أخرى طلبه لآزعاجها بسبب ضرورة رؤية غرفة نوم والدتى
توجهوا جميعا فى اتجاه غرفة النوم المذكورة وتتبعوا والدتى الى الغرفة وماكادت والدتى تعبر بابها حتى القت بنظرة سريعة فيها ، لاحظت بعدها أن الملازم فرج قد نقل كافة زجاجات وعلب وحبوب أدوية معالجة مرض ضغط الدم العالى وضعف القلب التى كانت على كوميدينو سريرها "حيث كانت تنام فى غرفة أخرى" ووضعهم بشكل واضح وخصوصا زجاجة نقط دواء الكورتيزون على الكوميدينو فى غرفة "نومها" حيث يتواجد دولاب ملابسها وفيه جهاز اللاسلكى ....
انتبه الضابط البريطانى الى الدواء المتراكم فوق الكوميدينو فتوجه اليهم وامسك فى يده بعص علب الدواء وسأل والدتى عما اذا كانت مريضة بالقلب فأجابته بالتأكيد .... فكرر الضابط تأسفه بكل أدب وبين مرة أخرى لآزعاجه
... !!!!
هـكـذا أنـقـذ جهاز أللاسلكى .... بحيلة والدتى ... إدعاء الأغماء على نفسها ... والضابط البريطانى ينزعج وينسحب ...!!!
لم يفوت على انتباه والدتى أدب الضابط المذكور التى أحست أن لحظات حاسمة دموية سوف تتلوها عندما يفتح أحد الجنود لدولاب الملابس واخبرتنا والدتى فيما بعد عن هذه اللحظة قائلة
"... قلت يارب... وبعدين جانى الهام بأن اتظاهر بالآغماء على نفسى مدعية ألمرض...."
مـدام....مـدام...هل انتى أوكـى...؟؟ ..أنا أسـف يا سيدتى
يوالى فرج ما سمعه خلال تواجده فى مخبأه فى دولاب الملابس
[*]"..... انا سمعت كلمة يارب قالتها والدتنا ولم يتقاضى وقت حتى سمعت صوت الهرج فى الغرفة وواحد بيقول... اشتالوها بسرعة....احملوها الى السرير .... متخليهاش تنام على ظهرها...دلكو رجليها .... أعطيها تشرب .... لا ... استنى .... أنا ساعطيها نقاط الكورتيزون ... اسرع بتدليك رجليها.....مدام....مدام...هل انتى أوكى...؟؟ ... ارجوكى اشربى هذا الدواء... هذا دوائك الكورتيزون... وسمعت واحد منهم بيتكلم على الجهاز الللاسلكى ويقول أنهم يواجهون موقف طبى حساس فقد أغمى على صاحبة المسكن..."
....
وبعدين سمعت نفس الصوت يقول للباقى.... غطى رجليها كويس .... يامدام هل انتى أوكى...؟؟
أنا أسف... انتى تنفسك هادى دلوقت.... أحنا سنتركك الآن أم تريدى معالجتنا الصحية.....؟؟؟
وسمعت والدتنا تقول للبريطانيين ... أنا كويسة. أنا كويسة كده... أنا بس عايزة انام واستريح....."
ولقد ستر الله ، فعندما كان البريطانيون قد حملوا والدتى الى السرير بجانب الكوميدينو وعليها الأدوية ، لم يعلموا أو يدروا بتواجد أخطر الوثائق السرية تحت مرتبة ألسرير نظرا لآن فرج قد خبأ تحت المرتبة دفتر الشفرة اللاسلكى للأتصال بالرئاسة والأدارة ، وهكذا وبتمويه إدعاء والدتى بالمرض والأغماء عليها الى انقاذ الوضع بشكل متحتم لا ينكر عندما أتت الداورية البريطانية لتفتيش مسكننا
....
....
...جود باى مدام...بارك الله فيكى" GOD BLESS YOU
يذكر فرج فى سرده لبقية هذه اللحظات الحساسة ، بأنه سمع الصوت المذكور يعطى أوامره لبقية الآفراد بمغادرة المسكن بكل هدوء دون أزعاج المدام....كما أنه سمع تبليغ جندى اللاسلكى لقيادته بأنهم قد بحثوا فى المسكن وأن النتيجة سلبية وأن صاحبة المسكن قد أفاقت من إغمائها وأنها لا تريد
معالجة أو رعاية طبية تالية ..... وانهم سيغادرون المسكن الآن لان المدام الأرملة تطلب راحتها وسوف تنام...
ومضت هذه اللحظات كدهر طويل على فرج فى مخبأه فى دولاب الملابس ، ولما سمع توديع الجنود لوالدتى "...جود باى مدام..." ثم سمع صوت إغلاق باب المسكن فضل فرج أن ينتظر عدة دقائق ..... وتوالت الثوان كساعات طويلة وزاد تنازل العرق فوق جبهته حتى سمع رنين جرس باب المسكن المتكرر لعدة مرات بالطريقة التى كنت متفقا معه عليها وزاد قلقه بشكل بشع .... !!!!
[*]
د. يحي الشاعر