"..............
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..
11 ديسمبر 1956.. المقاومة الفدائية فى بورسعيد
تخطف الضابط «أنتونى مورهاوس» قريب ملكة بريطانيا
أنتونى مورهاوس
أصدر اليوزباشى سمير غانم، قائد «العمليات الفدائية السرية» فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل»، تعليماته بخطف ضباط بريطانيين فى بورسعيد، كانت القوات البريطانية فى المدينة منذ عملية إنزالها يوم 6 نوفمبر 1956، وكانت المقاومة الفدائية على أشدها، وكانت «عملية الخطف» إحدى بطولاتها.
ضمت «المقاومة الفدائية» تشكيلات وفق تنظيم محكم، تحت إشراف جمال عبدالناصر، وكانت «العمليات الفدائية السرية»، إحدى هذه التشكيلات، وعبدالفتاح أبوالفضل قائدا لمجموعات المقاومة فى القناة، ويذكر فى كتابه «كنت نائبا لرئيس المخابرات»، أن «فكرة الخطف»، جاءت بعد اتصال بين سمير غانم، والعميد صلاح الدين الموجى، القائد العسكرى لمدينة بورسعيد، والأسير لدى القوات البريطانية منذ 6 نوفمبر 1956 لرفضه التوقيع على وثيقة استسلام كتبها القائد الإنجليزى «ستوكويل».
أبدى «الموجى» من معتقله لـ«غانم» تخوفه من اصطحاب القوات البريطانية له، وبقية الأسرى من الضباط المصريين إلى قبرص، بعد انسحاب القوات البريطانية، فأصدر «غانم» تعليمات بخطف ضباط البريطانيين، لإمكانية مبادلتهم بمصريين.
كان يحيى الشاعر، المولود فى بورسعيد عام 1937، والمقيم حاليا فى ألمانيا، قائدا لتشكيل «المجموعة الشعبية المقاتلة»، ويذكر فى كتابه «الوجه الآخر للميدالية - حرب 1956 - الأسرار الكاملة لحرب المقاومة السرية الشعبية فى بورسعيد»، أن «غانم» أرسل اقتراحه إلى القاهرة يوم 8 ديسمبر 1956، وردت القاهرة فى اليوم التالى بتعليمات لاسلكية شفرية إلى «أبوالفضل» بالموافقة، وكانت الرسائل الشفرية إليه باسم «أسد»، واحتوت برقية شفرية على تعليماتها لسمير غانم «نسر» بالتنفيذ خلال 48 ساعة من استلام الأوامر، وكانت الأوامر واضحة بعدم الإضرار بالمختطفين، والإبقاء عليهم أحياء».
يكشف «الشاعر» أن «غانم» أبلغه هو واليوزباشى كمال الصياد «منسق العمليات فى المقاومة الشعبية»، بالقرار أثناء اجتماعه «اليومى» بهما يوم 10 ديسمبر فى مخبأ قيادة المقاومة، توجه «الشاعر» بعدها إلى أفراد «التشكيل الرابع»، وكانوا يقطنون فى منطقة الحى العربى، يتذكر: «تقابلت مع محمد حمدالله، وأحمد هلال، ثم توجهت لعزالدين الأمير، وطاهر مسعد، وحسين عثمان، وأخبرتهم باختيارهم لتحقيق عملية مهمة وحساسة، وضرورة تواجدهم فى مبنى القسم «القيادة»، وكانوا جميعا يعلمون بمسؤوليتى القيادية فى المقاومة».
فى 11 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1952، تم التنفيذ بالصدفة فى الضابط الإنجليزى، أنتونى مورهاوس، وكان يمت بصلة قرابة لملكة بريطانيا، ولهذا كان صيدا ثمينا، يذكر «محمد حمدالله» قائد مجموعة التنفيذ فى شهادته للكاتب الصحفى محمد الشافعى فى كتابه «شموس فى سماء الوطن» أنهم شاهدوا بالصدفة «مورهاوس» ينطلق بسيارته الجيب خلف طفل يركب دراجة، فأسرعوا خلفه، وكان الإنجليز منعوا ركوب الدراجات لاستخدام الفدائيين لها فى رمى قنابل على قواتهم، وارتبك الطفل، فوقع من فوق دراجته، ونزل إليه «مورهاوس».. يضيف «حمد الله»: «لحقنا به وتكلمت معه على أننا من الشرطة المصرية، وتعهدت بأننا سنأتى له بالطفل، فاقتنع واستدار ليركب السيارة، وبغرور وثقة قذف الطبنجة الخاصة به على تابلوه السيارة، فخطفها أحمد هلال، ووجدت مورهاوس أعزل، فقمت بلى ذراعه اليسرى، وإصبعى فى ظهره كأنه مسدس فانهار تماما، وقدناه إلى السيارة ودفعناه بقوة».
يذكر: «وضعنا منديلا على فمه وربطناه حول وجهه، ووضعنا الكلابشات فى يديه ورجليه، ووضعناه فى جوالين ثم فى صندوق، وذهبنا إلى بيت طبيب الأسنان الدكتور أحمد هلالى فى شارع أحمد عرابى، ووضعناه فى الدور الأرضى، وعلى الصندوق وضعنا لحافا قديما».
يؤكد «حمد الله»: «جن جنون الإنجليز، وعلى مسافة قريبة من البيت وجدوا السيارة التى استعملناها، فحاصروا المنطقة ثلاثة أيام، ووضعوا الأسلاك الشائكة حولها، وقبضوا على المئات وجمعوهم فى ملعب النادى المصرى، ومارسوا عليهم كل صنوف التعذيب البدنى والنفسى، وخلال هذه الفترة مات «مورهاوس» من الاختناق فى الصندوق».
يذكر «الشاعر»: «كلفنى كمال الصياد وسمير غانم بدفن الجثة، وطلبت أن يرافقنى فى المهمة زميلاى فى المقاومة السيد البوص، والكومى، وقمنا بدفنها تحت السلم»، يؤكد: «كانت العملية أهم عمليات المقاومة السرية الشعبية المسلحة منذ الاحتلال «العدوان الثلاثى»، وكان لها صدى عالمى كبير أدت نتائجه إلى زيادة حدة المقاومة، وشعور البريطانيين بالدخول فى فترة متقدمة من القتال الشعبى المنظم، فأسرعوا فى تنفيذ جدول مغادرتهم بورسعيد».
تسلم «الشاعر» المهمة التالية»، ومفاجأتها كانت فى وفاة«مورهاوس»نتيجة اختناقه من بقائه فى الصندوق، وخوفًا من تعفن جثته واكتشاف مكانها عبر رائحتها، كلفه كمال الصياد وسمير غانم بدفنها.. يتذكر الشاعر: «طلبت أن يرافقنى فى هذه المهمة زميلى فى المقاومة السيد البوص، وزميلى الكومى، وفى منتصف الليل ومع ساعات الصباح الأولى من يوم 12 ديسمبر - مثل هذا اليوم- 1956 حملنا الصندوق، وقمنا بدفن الجثة تحت السلم».. ولم تنته الحكاية عند هذا الحد.
..............."
د. يحي ألشاعر