لم يبع الفلسطينيون أراضيهم ، غيرهم فعلها
اقتباس :
لم يبع الفلسطينيون أراضيهم ، غيرهم فعلها
صقر ابو فخر
سمعنا وشاهدنا الوزير جبران باسيل في ١٠/٩/٢٠٠٨ يقول في مؤتمر صحافي: ان الفلسطينيين »خسروا وطنهم عندما باعوا أراضيهم ثم عدنا فقرأنا الكلام نفسه في صحف اليوم التالي (السفير والنهار ١١/٩/٢٠٠٨) من غير أي تعديل، الأمر الذي يشير الى أن أحدا لم ينبّه الوزير على معلوماته المغلوطة من ألفها إلى يائها. ولو كان بين المحيطين بالوزير نبيه واحد في هذا الميدان، لربما كان في الإمكان تدارك الأمر، وتعديل كلامه كي لا تُؤخذ عليه قلة المعرفة بهذا الشأن الحساس. وكان على الوزير، قبل أن يُقدم على نثر هذه الأقاويل، أن يتأكد من مواقع قدميه حتى لا يتعثر في دهاليز التجارة الانتخابية الهاذية المنتعشة الآن في لبنان، والتي لم تنجح إلا في اختيار العناوين المثيرة للدعاية، وما هو بائس ومكرور مثل خرافة التوطين« ورهاب »تملك الأجانب« وعودة »الفارين الى اسرائيل وبين هؤلاء عدد لا يستهان به من العملاء والقتلة والأوباش. ويبدو أن فن استجلاب الأصوات بدغدغة غرائز الدهماء ليس ابتكارا لبنانيا بلديا بالتأكيد، لكن المثل البلدي اللبناني ينطبق عليه تماما، وهذا المثل يقول: »البلد يللي بيعبد العجل حِش وارميلو وهنا بالذات تنمو وتنتعش عناصر »الفهلوة« المحلية و»الزعبرة« السياسية الفاشية في هذا البلد منذ أمد طويل، والتي أتمنى ألا يكون الوزير قد انزلق اليها بوعي أو من دون وعي، وألا يُدخل الفلسطينيين في هذا المنزلق، فيكفيهم الكلام العنصري الذي ما برح يغير عليهم من الجهات كلها، والقوانين الجائرة التي تمنع عليهم تملك حتى منزل العائلة، وتمنح العنصريين ذرائع لرفض تشغيل الطلبة الجامعيين في بعض مقاهي الحمراء ولو بالساعة، وفي فصل الصيف فقط، هذه المقاهي التي نستعد لفضحها والدعوة الى مقاطعتها جراء عنصريتها المنحطة.
هؤلاء مَن باعوا الأرض
نقترح على الوزير جبران باسيل أن يحفظ بقوة المعلومات التي سنعرضها هنا باختصار شديد. وقد أوجزنا هذه المعلومات، العلمية والدقيقة والتاريخية، كي لا نثقل على ذاكرته قط.
إن ٩٤٪ من الأراضي التي امتلكتها الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي (الكيرين كاييميت) في فلسطين حتى سنة ١٩٤٧ باعها لبنانيون بالدرجة الأولى من عائلات سرسق وسلام وتيان وتويني والأسعد وقباني وبيهم وغيرهم.
فالسيد ميشال سرسق ومحمد بيهم باعا أراضي الحولة من اليهود، وهذه الأراضي كانت تستوعب ١٥٠٠ أسرة فلسطينية شُردت كلها.
وآل سرسق باعوا أيضا مرج ابن عامر، وكانت مساحته ٤٠٠ ألف دونم، وفيه نحو ٢٠ قرية تقطنها ٢٥٤٦ أسرة أو ما يساوي ٢٦ ألف فلسطيني تقريبا.
وهؤلاء جميعا طردوا من مرج ابن عامر الذي عاشوا فيه مئات السنين.
وباع آل تيان (ميشال وأنطون) حصتهم من وادي الحوارث في سنة ١٩٢٢ (٣٠٨٢ دونما يقطن عليها ٢٤٠٠ فلسطيني)، ثم أقدم أنطون تيان على رهن ٥٣٥٠ دونما ثم عاد وباعها مع حصة ميشال تيان من الصندوق القومي اليهودي في ٢٧/٥/١٩٢٩
وباع آل تويني وآل صباغ ما كانوا يملكونه في السهل الساحلي.
علاوة على ذلك، باع أفراد من آل سلام أراضي الحولة التي حازوا من الدولة العثمانية امتياز استصلاحها وزراعتها فقط، لكنهم باعوها لليهود، الأمر الذي أدى الى تشريد ١٥ ألف فلسطيني.
وباع آل قباني ٤ آلاف دونم مما كان يُعرف بـ وادي القباني وفي سنة ١٩٣٧ أسس خير الدين الأحدب وصفي الدين قدورة وجوزف خديج وميشال سارجي ومراد دانا (يهودي) والياس الحاج شركة عقارية.
وتمكنت هذه الشركة من شراء ١٠٠ ألف دونم في قضاءي صور وصيدا، ثم باعتها لشركات يهودية
لعلم الوزير، وغيره استطرادا، أن اليهود لم يمتلكوا عند صدور قرار التقسيم في ٢٩/١١/١٩٤٧ إلا ٥,٧٪ من مساحة فلسطين، ومع ذلك منحتهم الأمم المتحدة ٥٦٪ منها بما في ذلك منطقة النقب الممتدة بين بئر السبع والعقبة، والتي لم يكن فيها يهودي واحد.
لكن، حتى هذه المساحة، لم يستطع اليهود شراء أكثر من ٣٠٠ ألف دونم من الفلسطينيين بين ١٩١٧ و،١٩٤٧ أي طوال ٣٠ سنة تحت سلطة الانتداب البريطاني.
وهذه المساحة التي تعادل ٦٪ من الأراضي التي اشتراها اليهود انتقلت اليهم بالاحتيال، ومن خلال سماسرة كانوا يشترون الأرض من العرب ثم يعودون فيبيعونها لليهود. وقد قُتل الكثير من هؤلاء السماسرة إبان ثورة ١٩٣٦
قصارى القول ان الفلسطينيين لم يبيعوا أراضيهم، بل ان أفرادا من عائلات لبنانية معروفة، وأشخاصا من عائلات سورية مثل آل الجزائرلي والشمعة والقوتلي ومارديني واليوسف، هم من تسبب بتشريد الآلاف من الفلسطينيين جراء تلك البيوع الوضيعة، ثم طرد معظم الشعب الفلسطيني من بلاده جراء خطة استعمارية بعيدة المدى.
وهؤلاء البائعون الأرذال الانذال، الذين لا يستحقون اليوم إلا اللعنات، إنما كانوا يلعبون دور المسهّل لتلك الخطة الاستعمارية، والمتعاون معها بوعي كامل، والتي يمكن تأريخ نشوء قضية اللاجئين بها، أي منذ ذلك التاريخ الأسود فصاعداً.
»تاني يا أستاذ؟«
في أيلول ١٩٩٥ وصف الوزير نقولا فتوش الفلسطينيين بـالنفايات البشرية وقد دفعنا الكلام الملووق للوزير فتوش آنذاك إلى أن نعدد له عداً وأن نكيل له كيلا، وقد كدّر كلامنا أيامه طويلا بحسب علمنا. وبعد ثلاثة عشر عاما، ها هو الوزير باسيل يطل علينا بكلام عجب وبيان من خشب ومعلومات تثير الغضب.
إنها سنون منحوسة وأيامها معكوسة تلك التي ما انفك الحديث عن الفلسطينيين في لبنان يدور في الشرنقة ذاتها. كأن لا شيء يتغير في ميدان المعرفة في هذا البلد، فالكلام دائما غث، والخطاب رث، والأقوال معادة البث.
قبل ستين سنة أو أقل، كان أطفال المخيمات حينما يتعاركون مع أطفال الأحياء اللبنانية المجاورة، يعيّرون بأنهم باعوا أراضيهم ولجأوا الى لبنان. كان ذلك كلام فتية الشوارع. ويلوح لي، بعد نحو ستين سنة، ان الأمر لم يتغير حتى مع هذا الوزير من هنا أو ذاك الوزير من هناك.
ويبدو لي أيضا ان بعض الزعامات وأصحاب المواقع والمناصب والرتب لا يختلفون كثيرا عن حمالي القِرَب. انه داء بلا دوا وعماء على عمى وقد رغبت، في هذه المعلومات التي عرضتها هنا، بأن أضع بين يدي السياسيين، ومنهم الوزير باسيل، ذخيرة معرفية بسيطة وأولية كي لا يعود الى مثل هذه الأقوال ثانية.
لكن ما أخشاه هو أن أصبح مثل أعمى يلقي محاضرة في جمهور من الصم. ومع ذلك، فأنا أكيد من أن الحقائق العلمية والتاريخية لا بد أن يكون لها صدى، مثلما أنا متأكد من أن الفلسطينيين مثل كيس الملاكمة: كلما وجهت إليه اللكمات ارتد عليك بالقوة نفسها
ي البداية ينبغي أن نؤكد على حقيقة هامة وهى أن التعميم مرفوض في كل شيئ ,
وبالتالى يصبح من الخفة أن نتعامل بالتعميم مع الشعوب في الإتهامات فنقول أن الفلسطينيون باعوا أرضهم أو ما شاكل ذلك لأن كل مجتمع فيه من هذا وذاك وفى نفس الوقت التعميم في التبرئة ليس هو بالإجراء السليم في معالجة الحقائق ,
فمن الفلسطينيين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقدموا تضحيات كنا نتمنى لو أن الإعلام ركز عليها وأبرزها , ولكن كان فيهم أيضا من باعوا القضية وتاجروا بها في القديم والحديث
ولعل هذه الحقائق عندما نعرضها نكون مساهمين في تنشئة جيل يعرف الوقائع كما هى ,
حتى تستقيم أمامه الرؤيا فيترك شرعية الدول العميلة إلى الشرعية الوحيدة المعترف بها لوطن محتل وهى شرعية السلاح
ولا ننسي أن خونة الأمس هم أجداد خونة اليوم , وهذا على عموم الخيانة سواء من الفلسطينيين أو من غيرهم , وبغير معالجة الأمر بجدية الأمر الواقع لن نطمح في خروج جيل مقاومة لا يعرف إلا المقاومة الحقيقية وحدها
وخيانة جيل اليوم أشد وأنكى من خيانة بيع الأراضي قديما , ولعلك توافقنى على أن جيل منظمة التحرير الفلسطينية والذي تم انتخابه بمؤتمر القمة العربي فى المغرب ليكون الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى هو نفسه ذلك الجيل الذى باع ولاءه لإسرائيل وجاهر بعمالته المفضوحة مقابل السيارات الفارهة والتعامل الديبلوماسي والتجارة والإستثمار مع السوق الإسرائيلي
وها هو شيمون بيريز في مذكراته يذكر هذا الجيل ويعبر عنهم قائلا :
( هؤلاء ـ يعنى وفد مفاوضات منظمة التحرير والسلطة الوطنية ـ ليسوا فلسطينيين يعبرون عن قضاياهم بل هم يهود بوشاح فلسطينى ! ) في إشارة منه إلى مدى التطويع الذى كان ولا زال عليه هذا الجيل من عرفات إلى أبي مازن إلى دحلان
والثابت أيضا أن بعض الفلسطينيين باعوا أراضيهم لليهود طواعية في سبيل المال في نهاية القرن التاسع عشر , وعلى تلك الأراضي أسس اليهود جاليتهم التي اتسعت في القدس من 154 يهودى إلى 5000 يهودى في أعوام قليلة
وهناك من اللبنانين والسوريين المتملكين للأراضي أيضا باعوا منها الشيئ الكثير
لكن الفلسطينيون شاركوا أيضا فلم تكن أراضيهم كلها مملوكة للسوريين واللبنانيين وعائلاتهم
وقد أورد أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل في ثلاثية المفاوضات السرية ـ الجزء الأول أسماء ومساحات الأراضي التي حصل عليها اليهود وشارك أهل الأرض في بيعها طوعا وكرها ,
وهذا الأمر معروف في الأدبيات الفلسطينية ذاتها فعبر عنها شعراء الإنتفاضة مثل كمال عبد الحليم وراشد حسين وغيرهم
فقال راشد حسين على لسان إحدى فتيات فلسطين وهى تلعن خطيبها الذى باع أرضه ليجد مصاريف زواجه منها .. فكتب قصيدته ( هى والأرض ) يقول فيها
هي... والأ رض
( باع َ أرضَهُ للصهيونيين لِيدفَع مَهرَ خطيبتِهِ فكتبت لَهُ)
وبِعتَ التُراب المقدس يا أنذَلَ العاشقينْ
لتدفعَ مهري؟!
وتبتاع َ لي ثوبَ عُرس ٍ ثمينْ.
فماذا أقولُ لطفلك لو قالَ:
«هل لي وطن»؟
وماذا أقولُ لهُ إن تساءل:
«أنتِ الثَمَن»؟!!
سحبتَ الحواكيرَ من شَعرِها
وبعتَ جدائل زيتونها
وأرخَصتَ في السوق ِ عَرضَ السُهول ِ
وخُنتَ وفاءَ بساتينِها
ومزقتَ حلماتِ ليمونِها
وبعتَ جدائلَ زيتونِها!
أتفضحُ والدةً أرضعتكَ لتَستُرَ عِرضي؟
وتترُكَ هذي البيادرَ جوعى
ليَشبَعَ رَوضي؟
أمن وَجعِ الأرض ِ.. تَصنَعُ أفراحَ
قلبي الحزين؟
أعُريُ البيادرَ يا نذلُ
يُلبسني ياسمين؟
كما قلت سابقا , أن المجتمع الفلسطينى احتوى النقيضين وكما أفرز أبطالا مثل عائلة الحسينى أبرز جيلا من أجيال اليهودية المتعربة المتمثل في جيل المفاوضات , والفصل بينهم وضرورة التعريف بالنوعين ضرورى ليكون الفلسطينى والعربي على بينة من أمره , ولكم كل التقدير
د. يحي الشاعر[/h3]